«حماية المستهلك» وضبط «أسعار الخدمات»
أحد الزملاء قال إنه تواصل مع شركة لمعالجة مشكلات شبكة الصرف الصحي في منزله، وبعد المعاينة قال له الموظف إن سعر تسليك الشبكة 3500 ريال، فالعمل مضنٍ وطويل ويتطلب مواد كيماوية وضخ ماء، وقد يستغرق يوما كاملا، ويضيف أنه ذهب إلى آخر في محل سباكة، وقال له إن العمل سيكلفه 1200 ريال فقط، ثم ذهب إلى ثالث وأتم له المهمة، وإعادها إلى ما كانت عليه بمبلغ 600 ريال فقط، ويقول حتى هذا المبلغ غير منطقي؛ إذ إن عملية التسليك لم تستغرق سوى ساعة عمل من قبل عاملين وبرميلي أسيد، قيمة البرميل في السوق 50 ريالا لا غير.
آخر يقول إنه ذهب لإصلاح صدمة في صدام سيارته الأمامي فتفاوتت الأسعار من 300 ريال إلى 1000 ريال، وكل يدعي أنه الأفضل، وأن سعره الأنسب وأنه يستخدم المواد الأصلية غير المغشوشة، ثم انتهى به الأمر بإصلاحها بـ 500 ريال، وثالث يقول إن تبديل الفحمات وخرط الهوبات يراوحان بين 200 و 400 ريال من محل لآخر، لعمل لا يستدعي خبرات مميزة، فكل ما يتطلبه جهد عضلي لساعة من الزمن.
رابع يقول إنه ذهب إلى إحدى العيادات لمرض بسيط ألم به، وطلب منه الطبيب إجراء جملة من التحاليل الطبية، التي تبين أن معظمها لا داعي له ولا صلة له بما يعانيه، وطلب منه المختبر التابع للعيادة مبلغ 2500 ريال لخمسة تحاليل تبين له فيما بعد أن سعرها في المختبرات الطبية لا يزيد على بضع مئات من الريالات.
خامس قصته جدا مضحكة يقول إنه رقع إطار سيارته المرسيدس الحديثة في أحد محال البنشر، وبعد الانتهاء من ذلك طالبه العامل بـ 450 ريالا أجر إصلاح ومادة الرقع، وعندما ضحك صاحبنا هذا وطالبه بفاتورة لأنه حسب علمه أن تكاليف الرقع لا تتجاوز 30 ريالا رفض العامل لأنه أدرك أنه سيتعرض للمساءلة وقبل بـ 30 ريالا فقط لكونه رجلا متسامحا مع العملاء.
سادس يقول مكيفات السبيلت الحديثة كثيرة العطل وتتطلب معالجة تهريب الماء، وتغيير منظم الكهرباء، وهي أمور لا تتجاوز خمس دقائق لكل مكيف، إلا أن العمالة تطلب 100 ريال أجر عمل لكل مكيف، وهو سعر خيالي، خصوصا أن العامل يأتي لتنظيف أربعة أو خمسة مكيفات أو أكثر بداية فصل الصيف، بمعنى أنه يطلب نحو 500 ريال لساعة عمل لأمور بسيطة، وراتبه في السوق لا يتجاوز 2000 شهريا حسب المعلومات المتوافرة لدينا.
هذه القصص وغيرها كثيرة في مجال تسعير الخدمات والسلع تجعلنا في معاناة مستمرة مع ارتفاع الأسعار غير المبرر، تزامنا مع الجودة الرديئة، حيث يتعمد العمال استخدام المواد السيئة وعدم الالتزام بأصول المصنعية ومعاييرها ومقاييسها، عند التأسيس أو الصيانة لكي نعود لطلب خدماتهم مرات ومرات ويحصلوا على الإيرادات الدائمة.
تكاليف الصيانة والتركيب أنهكتنا نحن الأسر المتوسطة التي يشكل الألف ريال نحو 10 - 20 في المائة من دخلها الشهري؛ فمن يحمينا نحن "المغفلين" الذين لا نفهم معايير ومقاييس وأصول الجودة عند التركيب أو الصيانة؟ من يحمينا ويرحمنا مما نحن فيه، خصوصا أننا لا نستغني بشكل شهري عن خدمات صيانة السيارات والمنازل والأجهزة الكهربائية كالمكيفات والدشات وغيرها، وهي أمور كثيرة العطل؟
في مجال حماية المستهلك لدينا جهاز حكومي يتبع وزارة التجارة ولدينا جمعية لحماية المستهلك أيضا، ولكن حماية المستهلك لجهة ضبط أسعار الخدمات في نطاقات معقولة تتناسب مع الجودة المقدمة ما زالت بعيدة المنال، والتفاوت في الأسعار هائل جدا، ويصل إلى الضعف والضعفين والعشرة أضعاف للخدمة ذاتها، وربما بجودة أقل ولا يوجد أي نظام تسعير مفروض من وزارة التجارة على أسعار الخدمات، خصوصا المتعلقة باحتياجات المواطنين من صيانة للمنازل (كهرباء، سباكة، أجهزة إلكترونية خصوصا المكيفات والدشات والريسيفرات) وصيانة السيارات خصوصا الصيانة الدورية للأعطال المتكررة، ولذلك نجد المستهلك تتقاذفه أيدي وأفواه العمالة في الشركات والورش والمحال، ويدفع مبالغ كبيرة لخدمات سيئة وربما سيئة جدا، بعضها قاتل كالمتعلق بحركة السيارات الميكانيكية وأسلاك الكهرباء وتركيباتها.
طالب مجلس الشورى، وزارة التجارة والصناعة بمتابعة تطورات انخفاض أسعار السلع في الأسواق الدولية، وأثر ذلك في السوق المحلية للتأكد من أسباب الارتفاع في الأسعار واتخاذ الإجراءات المحددة، عندما يكون الارتفاع غير مبرر، وهذا شيء جميل ومطلوب وضروري، وأتمنى أن يطالب مجلس الشورى أيضا وزارة التجارة بمتابعة أسعار خدمات التركيب والصيانة التي ارتفعت مع ارتفاع أسعار النفط وانخفاض القيمة الشرائية للريال المرتبط بالدولار، والتضخم الذي نشأ عن ذلك ولم تنخفض رغم انخفاض أسعار النفط وارتفاع القيمة الشرائية للريال، وما زالت تثقل كواهل المواطنين والمقيمين.
نريد من وزارة التجارة أن تفرض صيغة معينة واضحة ودقيقة لتوصيف الخدمات وتصنيفها وتسعيرها ووضع لائحة الأسعار في مكان واضح ومتاح للجميع رؤيته، كما هو حال أسعار السلع وتوعية المواطن والمقيم بكيفية الشكوى حال المخالفة، وللمعلومية أكثر أصحاب محال الخدمات لا يضعون لائحة بالأسعار لخدماتهم، بل حتى أسعار السلع التي يقدمونها مع خدماتهم ولا يخشون أحداً وعندما تطالبهم بذلك يقولون سوف نفعل وكأنهم على ثقة بعدم المحاسبة.
كلي ثقة بالوزير توفيق الربيعة وفريق عمله في وزارة التجارة أن يجد حلا ناجعا لمشكلة ارتفاع وتفاوت أسعار خدمات التركيب والصيانة المنزلية وصيانة السيارات والأجهزة المنزلية التي أرهقت ميزانيات المواطنين من الطبقة المتوسطة وما دونها بما لا يطيقون.