رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وقفات مع تقرير «نيتشر» حول الجامعات (3)

خلال الأسبوع الفائت، حصلت مصادفتان جميلتان: الأولى: توصية مجلس الشورى في جلسته الأسبوع الفائت بزيادة النسبة المتعلقة بالإنفاق على البحث العلمي والتطوير المراد تحقيقها في عام 1440/1441هـ إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
الثانية: إعلان جائزة وزارة التعليم للتميز في البحث العلمي والابتكار. هذه الجائزة تأتي في سياق دعم الوزارة للبحث العلمي والابتكار في الجامعات السعودية. الجميل في الجائزة أنها موجهة لكل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية سواء كانت حكومية أو أهلية.
هذان الخبران الجميلان يدلان على رغبة حقيقية على المستوى الحكومي في دعم البحث العلمي وتشجيعه. فجائزة التميز في البحث العلمي تدل على التباين الكبير بين رؤية ولوائح وزارة التعليم خصوصا لوائح البحث العلمي وبين ما تزاوله الجامعات على أرض الواقع. بعض الجامعات خصوصا الناشئة تعاني عدم التوافق بين ما يفترض أن يكون أولوية للجامعات وبالتالي أولوية لعضو هيئة التدريس وبين ما تزاوله على أرض الواقع. هذه الحقيقة أضعف الاهتمام بالأبحاث العلمية والمشاركات العلمية في المؤتمرات الدولية لدى بعض أعضاء هيئة التدريس. فمثلا إذا كان تقييم عضو هيئة التدريس السنوي لا يعكس أهمية البحث العلمي، فما هو المحفز لعضو هيئة التدريس للاهتمام بالأبحاث ووضعها على قائمة أولوياته؟
من المؤسف أن بعض الجامعات اكتفت بوضع نموذج لتقييم عضو هيئة التدريس لا يختلف كثيرا عن نموذج تقييم أي موظف إداري في أي وزارة حكومية (وليس بناء على معايير أكاديمية محددة) ولا نبالغ كثيرا إذا قلنا إنه لا يختلف كثيرا عن تقييم القطاعات العسكرية كعدم اشتراطها إطلاعه على تقييمه السنوي، فضلا عن مناقشته أدائه بشفافية. كما أنه إذا كان عضو هيئة التدريس لا يتم تقييمه بصورة مهنية (المشاركة البحثية والتدريس وبدرجة أقل خدمة المجتمع أو الجامعة)، فمن الطبيعي ألا تكون الأبحاث والمشاركة بفعالية في المؤتمرات العلمية ضمن أولوياته.
كما أنه من غير المستغرب عندما تكون معايير تقييم عضو هيئة التدريس غير قابلة للقياس، أن يصبح تقييم عضو هيئة التدريس فرصة لبعض رؤساء الأقسام أو عمداء الكليات لتقييم عضو هيئة التدريس وفقا لرؤى شخصية غير أكاديمية أو علمية كما ذكر البعض.
في الجانب الآخر، إذا نظرنا إلى آليات تقييم الجامعات الرائدة أكاديميا وبحثيا نجد أن لديها توافقا بين أدوار الجامعات وأهدافها وبين الآلية التي تقيم بها أعضاء هيئة التدريس. فسنويا يطلب من عضو هيئة التدريس وضع خطته البحثية والتعليمية وتتم مناقشتها مع رئيس القسم مع بداية العام الدراسي، وفي نهاية العام يتم تقييم عضو هيئة التدريس بناء على نسبة ما حققه من أهداف (التي تم الاتفاق عليها مع بداية العام الدراسي) من بحوث وتدريس ومشاركة في المؤتمرات وخلافه. ومن خلال التقييم السنوي يتم تحديد الدورات التي قد يحتاج إليها عضو هيئة التدريس من أجل تقوية مهاراته المعرفية أو غيرها. فالتدريب مرتبط بصقل المهارات بمعنى أن هناك تكاملا بين التقييم والتدريب.
من المؤسف أن بعض الجامعات لدينا تعاني عدم وجود معايير حقيقية يقيَّم في ضوئها أعضاء هيئة التدريس. فمثلا كيف نتوقع من عضو هيئة التدريس الحيادية في قرارته إذا علم أن رئيس القسم سيتولى تقييمه السنوي؟ وكيف يخالف رؤساء الأقسام توجهات وقرارات عمداء الكليات إذا كان عمداء الكليات هم من أوصى بتعيينهم وهم من سيقيمون أداءهم السنوي (حسب اللائحة توصية من عميد الكلية لكن في الغالب يعين من أوصى به)؟ وكيف نضمن استقلالية أعضاء هيئة التدريس إذا كانت قرارات مجالس الأقسام والكليات غير مستقلة فعليا؟ وكيف يتم الحديث عن استقلالية مجالس الكليات والأقسام مع أن من يعين رؤساء الأقسام هم عمداء الكليات؟
لذا فإن دعوة تقرير "نيتشر" لاستقلالية أعضاء هيئة التدريس في التدريس وغيره يتطلب ابتداء إعادة النظر في آلية تقييم أعضاء هيئة التدريس بحيث تضمن استقلالية قرارتهم بعيدا عن عصا التقييم السنوي. هذه الحقيقية تفتح الباب مجددا لأهمية إعادة الحديث حول الانتخابات في الجامعات من أجل ضمان استقلالية الأقسام والكليات وإدارة الجامعات بصورة تؤدي لاستقلالية وحيادية القرارات بصورة تكاملية.
أعتقد أن وزارة التعليم بحاجة لإعادة النظر في آليات تقييم أعضاء هيئة التدريس ووضع المعايير اللازمة لضبطها. كما أن وزارة التعليم (التعليم العالي) بحاجة إلى تشكيل جهة رقابية تضمن التزام الجامعات باللوائح والأنظمة. فغياب الرقابة على الجامعات أضعف الاهتمام بالأبحاث وزاد الاهتمام بالجوانب غير العلمية.
لعل البعض يقول إن توجه معظم الجامعات يسير نحو استقلاليتها بينما هذا المقال يدعو جزئيا لمزيد من البيروقراطية والتحكم من قبل وزارة التعليم! لكن لعلي في مقال لاحق أبسط الحديث حول استقلالية الجامعات، لكن ما يمكنني الإشارة إليه في هذا المقال أن الوضع الراهن للجامعات يقول إن وزارة التعليم لا تقوم بواجبها الأساسي من رقابة ومتابعة وهو دور لا يمكن تجاهله حتى في حالة استقلالية الجامعات. استقلالية الجامعات لا تتعارض مع أهمية الدور الرقابي لوزارة التعليم حتى بعد استقلاليتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي