رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعليم .. من استيعاب الطلاب إلى خدمة التنمية

التعليم هو المفتاح السحري لتقدم المجتمع ورفع مستوى تنافسيته على المستوى الدولي، وتعزيز إسهامه في الاقتصاد العالمي، وزيادة الإشعاع العلمي للمملكة من خلال الاكتشافات والابتكارات التي تضاف إلى الحضارة الإنسانية. وفي ضوء توجهات المملكة للتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، فإن التعليم في حاجة إلى إعادة هيكلة؛ لتوفير تعليم نوعي، وتشجيع جاد للإبداع والابتكار في جميع مراحل التعليم.
وعلى الرغم من التقدم الملحوظ في مجال التعليم نتيجة الاهتمام الحكومي الكبير والإنفاق الضخم الذي يصل إلى ربع ميزانية الدولة، وكذلك الجهود المشكورة التي قدمها وزراء التعليم خلال العقود الماضية، فإن التعليم لا يزال دون الطموح، قياسا بالمخرجات التي لا تلبي احتياجات التنمية المستدامة بوجه عام، ولا تواكب التغيرات في متطلبات سوق العمل بوجه خاص، الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة حول البيئة التعليمية، والمناهج، والمعلم على حد سواء. ولا يمكن إنكار الجهود الحثيثة لتحسين آليات وإجراءات تقييم مخرجات التعليم، وقياس مقدار التحسن في المؤشرات التعليمية، ولكن لا تزال الحاجة ماسة إلى إجراء تحسينات نوعية في المناهج، والبيئة التعليمية في كثير من المدراس التي تفتقر إلى أبسط الوسائل التعليمية، وتحتاج إلى معلمين بمواصفات عالية علميا وسلوكيا، خاصة أن المعلم هو أهم ركائز التعليم. فالمعلم في حاجة إلى إعداد جيد ورعاية مناسبة وتقويم مستمر، بعيدا عن المرونة والمجاملات التي تضر بمصلحة الوطن. كما أن مخرجات التعليم الجامعي في حاجة إلى مزيد من الجودة والمواءمة مع احتياجات سوق العمل، وكذلك في حاجة إلى إذكاء روح الإبداع، والابتكار في البحث العلمي، لكي يحقق قيمة اقتصادية مضافة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تشجيع الجامعات للمنافسة في استقطاب الكفاءات السعودية والأجنبية، وتخفيف البيروقراطية في التعاملات الأكاديمية، والتواصل العلمي لبناء شراكات دولية ومحلية.
من جهة أخرى، أخفق التعليم الفني والتدريب التقني في توفير احتياجات التنمية. فقد توصلت دراسة أنجزها منتدى الرياض الاقتصادي إلى: 1) أن هناك غياباً للرؤية المتكاملة للاستثمار في العنصر البشري، وعدم وجود رؤية مشتركة أو تنسيق مع القطاعات الاقتصادية. 2) ضعف مخرجات التعليم الفني والتدريب التقني وعدم قدرتهما على تلبية احتياجات سوق العمل.
وبناء عليه، فإن تطوير التعليم بكافة مراحله وأنواعه أصبح من أهم – إن لم يكن أهم - الأولويات الوطنية، خاصة مع توجه المملكة لبناء الاقتصاد القائم على المعرفة الذي يقلل الاعتماد على البترول، الذي تتعرض أسعاره للهزات القوية، للمنافسة المتزايدة من قبل مصادر الطاقة المتجددة.
ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمملكة لا بد من تغيير أسلوب التعليم وفلسفته، لتقوم على غرس قيم المهنية، والنزاهة، والشفافية واحترام وجهات نظر الآخرين، وكذلك احترام قيمة الوقت، والعناية بالإبداع والابتكار بدلا من الاعتماد على التلقين والأساليب التقليدية، ولا يقل عن ذلك أهمية تعزيز ثقافة البحث العلمي في التعليم العام، وتأكيد جودته وتميزه في التعليم الجامعي، وكذلك السعي الحثيث لتحقيق استقلالية الجامعات - ولو جزئيا وتدريجيا - في أنظمتها وقراراتها الإدارية والأكاديمية من جهة، وتعزيز مبدأ التنوع والتكامل بين الجامعات بدلا من التكرار والتشابه بين الجامعات السعودية من جهة أخرى، ما يزيد فعاليتها في تحقيق التميز العلمي وتلبية احتياجات التنمية، وكذلك زيادة الحراك الطلابي بين مناطق المملكة، وهو ما يعزز الوحدة الوطنية ويزيد من المنافسة بين الطلاب وبين الجامعات.
وأخيرا فإن تحقيق هذه الطموحات لا يمكن أن يتأتى إلا في ظل أنظمة مرنة وقابلة للتطور لمواكبة التغيرات والمستجدات التقنية واحتياجات سوق العمل، وكذلك تقويم دقيق وشفاف للمؤسسات التعليمية، ومن ثم التحول من انشغال المؤسسات التعليمية باستيعاب الطلاب إلى الانشغال والحرص على تقديم مخرجات نوعية تخدم التنمية وتضيف إلى الاقتصاد الوطني. وأختتم بالدعاء للوزراء الجدد (الدكتور أحمد العيسى والدكتور أحمد الفهيد) بالتوفيق والسداد في إحداث نقلة نوعية في التعليم العام والجامعي والفني والتقني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي