معرض جدة للكتاب العالمي

أيام قلائل تفصلنا عن المعرض الدولي الأول للكتاب.. في جدة، بعد سلسلة النجاح المتصل والمتعاقب للرياض في الحفاوة به، وقيادة هذا النجاح المتوالي.. ودون ريب أن جدة بتاريخها العتيق، وروحها المنفتحة المتعددة الواعية.. هي جديرة بمعرض دولي للثقافة والأدب والكتاب سنويا، وهي الآن تعيش تحديا عسيرا، لأن العالم يبحث عن التميز في النجاح أكثر من عدم الإخفاق وتجاوز الفشل.تحقيق التميز أهم من النجاح، وغاياتنا مهما كانت نبيلة ليست كافية لتحقيق التميز، الاختمار الحضاري الرصين لإنسان جدة، يجعلنا نشعر بثقة وتفاؤل عريض، في نجاح نترقبه ونبصر تباشيره لهذا المعرض الدولي للكتاب.
قدر كل أفعال الإنسان ألا تكون تامة ولا كاملة، وقدرها أن تتفاضل بحدود التوفيق الممكن، وبعد خذلان الله لرشد الاختيار للشخصيات التي قد تستجلب ضجيجا يمكن الاستغناء عنه، وتجاوزه، ربما تظل الوظيفة الأساسية لمعرض الكتاب الدولي هي قيادة الوعي واستحضاره وتحريك الأولويات نحو بناء العقل، وصناعة الثقافة، وبناء الإنسان من الداخل، في نفسه وروحه وأخلاقه، وهذا ما يتكفل الكتاب وحده به.
كون المعرض دوليا، تعني أننا أمام عقول العالم، وحصاد حضارتهم، وأجمل وأرق وأسمى وأنبل لحظات التجلي للروح والنفس في الأدب والشعر والقصة بكل تنوعها وبكل مساربها.. وبعد الغور منها، وسريان النفس إلى تلك اللحظات الجامعة في الإدراك والشعور، الحزن، والحب، والفرح. الفقد، والفقر، والرحيل والمرض.. وقصة العبور الأخير.. التي توحدنا كذات إنسانية واحدة جامعة.
هذا يعني أن نكون أكثر تقبلا، وأكثر انفتاحا، وأكثر رغبة وحرصا على الاكتشاف في المختلف والمغاير.. التي قد نلتقي معها في زوايا التضاد والتقابل والرفض، لا يراد لمعرض دولي للكتاب أن يكون كل ما فيه، هو تكرار لمسلماتنا، ولا استنساخ لفكرنا، وإيماننا، وصورة متطابقة ليقيننا.. لا بد لمعرض دولي أن يكون صورة للعالم بكل ما فيه من ثقافة وتناقض وصراع حضاري، وسريان سياسة القتل، والفلسفة البرجماتية في السياسة والاقتصاد وكذلك الالتقاء والمحبة والرقي.
خمائر العيوب للمعارض السابقة للكتاب في الرياض، ربما من الملح عدم إتاحة الفرصة لتكرارها، ولا إعطائها فرصة للحضور في معرض جدة، ربما أهمها تعويض إفلاس بعض دور النشر العربية وخسائرها في أسعار البيع لكتبهم في المملكة، كما يتكرر سنويا في معرض الرياض، حيث يباع الكتاب في المعرض أحيانا بخمسة أضعاف قيمته في السوق السعودية من جهة، وبعشرة أضعاف عرضه في دول أخرى من جهة أخرى، كما أن الحداثة وتوفير الجديد تأتي في المرتبة الثانية بعد القيمة العادلة للكتاب، وبهذا يكون الكتاب أقرب إلى شريحة أوسع من المجتمع.
جدة معتادة على النجاح في الثقافة، والتميز في رجال فكرها، ورقة الشعراء منها.. تظل المحاور الثلاثة هي الصعبة الآن للنجاح الحرية والتنوع والسعر العادل والحداثة وتقديم الجديد عالميا.. بهذا ننجح في عرض ثقافة العالم. ومعارفه.. والارتفاع إلى وعيه ورقيه، والتسامي من خلاله وبه ومعه.
وهذا نجاح قريب المنال للقائمين على إدارة هذه التظاهرة العملية العالمية في عامها الأول على ضفاف ساحل البحر الأحمر، على تراب جدة الحضارة والتاريخ والإنسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي