قياس أداء الأجهزة العامة .. المؤشرات والآليات
في مطلع شهر محرم لعام ١٤٣٧ هـ قرر مجلس الوزراء إنشاء المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة، برئاسة ولي ولي العهد، وقد جاء القرار بناء على توصية من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وما من شك أن قياس أداء الأجهزة العامة يمثل عملا أساسيا لأي وطن يسعى لتحسين الخدمات للمواطنين، والمحافظة على الثروة الوطنية، وذلك بالتقليل من الروتين، والبيروقراطية التي تعمل وفقها بعض الأجهزة نتيجة الترهل الشديد الذي أصابها، أو لعقم الأنظمة، أو لافتقاد المهارات الإدارية، أو لفساد مستشر في الأجهزة، كما أن التداخل في الصلاحيات بين الأجهزة، وارتباط بعضها ببعض يشكل سببا يعوق جهازا من الأجهزة عن تنفيذ مهماته، لأن الجهاز الآخر لم ينجز ما عليه، إضافة إلى عدم وضوح الصلاحيات الممنوحة. كل هذه تتسبب في تأخر الإنجاز، أو عدم جودته.
قياس الأداء يمثل سمة المجتمعات المتحضرة الحريصة على التقليل من الفاقد المادي، و فاقد الوقت، والذي ربما لا يهتم به البعض، إضافة إلى التخفيف على الناس، وإيصال الخدمات إليهم، بأقل عناء، ومشقة، ولعل من المناسب الإشارة إلى أن تغيير فلسفة الإدارة المعتمدة يمثل الخطوة الأساسية، ذلك أن فلسفة الإدارة الحالية قائمة على أساس مراجعة المواطن، ومتابعته لتوفير الخدمة، والأصل أن الخدمة تصل دون مطل، فالأجهزة الحكومية وجدت لتقديم الخدمات، كل في مجاله، والواجب أن تسعى الأجهزة، وتتلمس مواطن الحاجة للخدمة، ولا تنتظر من يأتي ليطلبها، ومع إدراكي أن هذه المرحلة تحتاج لجهود، ووقت لإيجاد من يقتنع، ويأخذ بها، إلا أن قناعتي بأهميتها قوية. لماذا ينتظر الجهاز الحكومي المواطنين في قرية أو بلدة ليطالبوا بالماء، والكهرباء، أو المدرسة، أو سفلتة الشوارع، والشرع والنظام ضمن لهم هذه الحقوق؟!
لو تحققت هذه الرؤية، سنوفر الكثير من المال، والوقت، والجهد الذي يبذله الناس مع الأجهزة الحكومية، وهم يراجعون، ويرسلون البرقيات، ويتوافدون، وتكون النتيجة التسويف، والتأخير في تنفيذ المشاريع التي يحتاجون إليها، أو توفير الخدمات. في هذا العصر يمكن توظيف التقنية بشكل جيد للوقوف على أداء الأجهزة الحكومية، إذ يمكن رصد، ومتابعة سير المعاملات، والإجراءات التي اتخذت بشأن أي موضوع من المواضيع، ومعرفة الوقت المستغرق، فسرعة الأداء تمثل أحد المؤشرات على حسن، وسوء الأداء للجهاز، فمهمات كثيرة يمكن إنجازها في ساعات، أو أقل بدلا من أيام، وأسابيع، وأشهر بسبب موظف لا مبال، أو فاقد التأهيل، أو فاسد يستغل مكانه لتحقيق مكاسب شخصية. من المؤشرات أيضا جودة ودقة الأداء، وما معاناتنا في بعض المشاريع إلا سوء التنفيذ، إذ قد يوكل تنفيذ المشروع، أو الخدمة إلى جهة غير مؤهلة، كما يحدث في مقاولات الباطن، ومن يسير في شوارعنا ويمشي على الأرصفة يلمس عدم أهلية المنفذ، أو فساده واضحا للعيان.
استطلاعات الرأي الرسمية تشكل أحد مؤشرات الأداء، فرضا الناس، أو سخطهم عن جهاز يمثل أحد المنطلقات التي تكشف واقع الجهاز، وسعيه لتقديم الخدمة بالشكل المناسب، وعندما نقول رضا الناس لا نقصد فردا قد تربطه مصلحة بالجهاز ليكيل المدح والثناء، أو يكيل السخط لاعتبارات ذاتية، إذ المقصود الرأي العام الذي يمثل معظم الناس. هذا الإجراء معمول به في دول كثيرة يهمها تقديم الخدمة على أحسن وجه. قيمة تنفيذ المشاريع، وتضخمها يمثل مؤشرا يحكم به على دقة تقدير الإنفاق، كما أن تطبيق روح الأنظمة، و ليس نصوصها الحرفية، وبالشكل الذي ييسر على الناس، لا بد أن يكون أحد مقاييسنا للأداء النوعي وليس الكمي، فقضاء الموظف ثماني ساعات في مقر العمل، دون إنتاج، ليس مؤشرا إيجابيا.
وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة تمثل قناة من قنوات اكتشاف أداء الأجهزة الحكومية وإن بعض ما يكتب فيها لا يمثل الحقيقة ويمثل تحاملا إما لسوء علاقة شخصية، أو لسوء فهم من قبل من يدعي المظلومية من الجهاز، ولذا لا يمكن الأخذ بكل ما يكتب فيها، خاصة من قبل من يستخدم أسماء مستعارة. الصحافة، ومؤسسات المجتمع المدني، يمكن أن يكون لها دور في رصد أداء الأجهزة الحكومية في وجهه الإيجابي، والسلبي، لتكون معينة للمركز لأداء مهماته، إذ مهما توافرت له من إمكانات مادية، وبشرية لا بد له من أذرع تساعده في أداء الواجبات المنوطة به. إن ترسيخ مفهوم الاحتساب لرصد أداء الأجهزة العامة بصورة موضوعية تنهج المنهج العلمي الدقيق سيكون سببا في كشف الحقيقة، ومن ثم إصلاح الخلل الذي يعانيه جهاز أوجد لخدمة المواطن والوطن.