رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وقفات مع تقرير «نيتشر» حول الجامعات «2»

في براعات الاختراع، لا تتعدى المشاركة العلمية لجامعات دول العالم الإسلامي "75 دولة" أكثر من 1.6 في المائة، كما لا تتجاوز المشاركة الأكاديمية والبحثية أكثر من 6 في المائة حسب تقرير "نيتشر" الأخير الصادر في نهاية شهر أكتوبر الماضي. هذه المساهمة العلمية الضعيفة تتضمن دولا إسلامية لها إسهامات علمية مميزة كماليزيا وتركيا وباكستان وغيرها. فلو أن الدراسة اشتملت فقط على الدول العربية لكانت النسبة أقل من ذلك بكثير. وكما ذكرت في مقال الأسبوع الفائت كان من المفترض أن تكون إسهامات الجامعات السعودية أكبر من غيرها بسبب الوفرة المالية والسكانية والاستقرار الاقتصادي والسياسي.
إذا ربطنا هذه النسب المحبطة بما صرحت به نائبة رئيس لجنة الشؤون التعليمة والبحث العلمي في مجلس الشورى الدكتورة زينب مثنى أبو طالب، من أن الجامعات الناشئة أساءت إلى مخرجات التعليم العالي. كما تضمن تصريح الدكتورة زينب ملحوظات عديدة حول جودة التعليم والبحث العلمي للجامعات مع التوسع الكبير في أعداد الجامعات الناشئة. ولعل جزءا من أسباب ضحالة الإسهام العلمي يعود إلى كون بعض الجامعات ضخمت الجوانب الإدارية على حساب الجوانب العلمية، التي كان من المفترض أن تكون من أهم أولوياتها. فمثلا تبالغ بعض الجامعات في تقديم مميزات مالية لمن يزاول مهام إدارية خارج إطار لوائح التعليم العالي من سيارات وانتدابات ورحلات وساعات عمل إضافية ومبالغ مالية إضافية. هذا بخلاف التساهل في تقييم الإنتاج العلمي والترقيات الأكاديمية. هذه المميزات المالية والإدارية والأكاديمية دفعت بعض أعضاء هيئة التدريس إلى التسابق على الوظائف الإدارية بدلا من التسابق في البحث العلمي والأكاديمي، لأنها البوابة الأسهل ليس فقط في الحصول على مبالغ مالية إضافية، لكن لكونها البوابة الأسرع في الترقية الأكاديمية والعلمية.
لا شك أن بعض جامعاتنا تبالغ في تقديم مميزات مالية عالية نظير تكليف أعضاء هيئة التدريس بمهام إدارية كرئاسة لأقسام أو عمادة الكليات. فكما هو معلوم أن عديدا من الجامعات في أوروبا الغربية كألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها لا تعطي أي مبالغ مالية نظير قيام أعضاء هيئة التدريس بمهام إدارية، لأن هذا العمل جزء من المسؤولية المشتركة بين أعضاء هيئة التدريس. وحتى تتحقق العدالة بين أعضاء هيئة التدريس، فيتم التناوب بين أعضاء هيئة التدريس لتولي المهام الإدارية بصورة دورية. هذه الحقيقة جعلت أعضاء هيئة التدريس لمعظم الجامعات الغربية يتقبلون مزاولة الأعمال الإدارية بدون مقابل، لكونها مسؤولية مشتركة ودورية بينهم. لذا فتقبل أعضاء هيئة التدريس مزالة المهام الإدارية كـ "مسؤولية" و"تكليف" وليست "ترقية" أو "تشريفا" أو وسيلة لزيادة الدخل المادي الشهري. لذا لا تجد "التسابق" لتولي المهام الإدارية بين أعضاء هيئة التدريس لديهم، لكونها مسؤولية "حقيقية" وليست مجالا للحصول على دخل إضافي أو بسبب أنها البوابة الأسهل للترقيات الأكاديمية، كما هو واقع بعض الجامعات لدينا. كما أن معظم الجامعات الغربية قائمة بنفسها ماليا وإداريا وأكاديميا، فالجامعات الغربية تتسابق فيما بينها للحصول على تمويل أكبر من مخصصات الأبحاث لأنها من أهم معايير التقييم العلمي لها. فالتنافس لديها في الحصول على أبحاث أكثر من أجل تمويل أكثر، بينما التنافس لدينا في الحصول على امتيازات وأعمال إدارية أكثر، لأنها البواية الأسهل للترقيات والحوافز المالية، ما أضعف الاهتمام بالأبحاث في عقلية عضو هيئة التدريس لدينا.
وزارة التعليم عبر فرع التعليم العالي بحاجة إلى إدارة مشابهة لإدارة معادلة الشهادات الجامعية، تتولى النظر في أوراق التعيينات والترقيات الأكاديمية، خصوصا أن هناك تباينا كبيرا بين الجامعات في مدى التزامها بلوائح التعليم العالي. أو على أقل تقدير فإننا بحاجة إلى أن يتم توحيد المجالس العلمية بين الجامعات، بحيث تكون المجالس العلمية مستقلة عن الجامعات من أجل ضمان حياديتها واستقلاليتها. فيكون هناك تشكيل للمجالس العلمية من قبل وزارة التعليم "التعليم الجامعي"، بحيث يضم كل مجلس مجموعة جامعات وتتولى المجالس كل المتعلقات بالترقيات الأكاديمية والتوصية بالتعيينات الأكاديمية من أجل ضمان حيادية المجالس العلمية لكل الجامعات واستقلالية قراراتها.
لا أعتقد أنني بحاجة إلى التأكيد على حقيقة أن الجامعات مفخرة وطنية، خصوصا إسهاماتها في تنمية المناطق الطرفية. لكن هذا لا يتعارض مع وجود ضعف في بعض المجالس العلمية، لأنه من الطبيعي أن يؤدي التوسع السريع في أعداد الجامعات إلى تأثيرات سلبية في الجودة الأكاديمية والعلمية، وهو ما يتفق مع ما ذكرته نائبة رئيس لجنة الشؤون التعليمة والبحث العلمي في مجلس الشورى. لذا فإن توحيد المجالس العلمية بين الجامعات سيساعد الجامعات الناشئة على أن تحافظ على الجودة، خصوصا في تعيينات وترقيات أعضاء هيئة التدريس. فاستقلالية المجلس العلمية عن الجامعات قد يساعد على ضمان استقلالية القرارات العلمية لدى الجامعات الناشئة على وجه الخصوص، خصوصا أن المجالس العلمية من أهم المجالس التي تضبط الجودة العلمية والتعليمية لدى أي جامعة.. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي