رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هجرة التلوث إلى الدول النامية

تمتعت البشرية بعصور طويلة من راحة البال حول التغيرات المناخية، ولم يخطر على عقل بشر أن بمقدور الإنسان التأثير في المناخ، ما قاد الحضارات الماضية إلى حرية استخدام الطاقة وبدون قيود. في القرن الثامن عشر تسببت الثورة الصناعية في إحداث زيادة مطردة في معدلات استهلاك الطاقة. واعتمدت التقنية الصناعية منذ بداية تلك الحقبة حتى الآن على الوقود العضوي، بداية من الأخشاب ثم الفحم الحجري ثم النفط والغاز الطبيعي. من ناحية أخرى، صاحب النمو السريع في استخدام الطاقة نموا مماثلا في كميات الغازات الناتجة عن إحراقها كثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكاسيد النيتروجين وعدد آخر من الغازات التي ازداد تركزها في الغلاف الجوي. تسارع تسرب ثاني أكسيد الكربون في العقود القليلة الماضية إلى الغلاف الجوي حتى تجاوزت كتلته المتسربة في عام واحد 35 بليون طن. وازداد تركز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مع مرور الوقت، حيث تشير تقديرات بعض المصادر الدولية إلى نمو تركزه بنحو 40 في المائة عام 2010 مقارنة بمستواه قبل الثورة الصناعية، وازداد تركز غاز الميثان 160 في المائة للفترة نفسها، كما تزايدت تركزات الغازات الدفيئة الأخرى. ومن المتوقع تزايد تركزات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى إلى مستويات خطرة خلال العقود القادمة، ما لم يتخذ العالم إجراءات حازمة للحد من هذه الانبعاثات. وتركز المؤتمرات الدولية حول المناخ على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ لأنه يتسبب في معظم آثار الغازات الدفيئة، حيث يشكل نحو 85 في المائة من آثار عكس حرارة الشمس يليه الميثان.
شهدت العقود الخمسة الأخيرة، زيادة ملحوظة في درجات الحرارة على كوكبنا الأزرق، ويقدر البعض أن متوسط درجة الحرارة على وجه الأرض قد ارتفع بنحو درجة مئوية منذ الثورة الصناعية، وترى بعض المؤسسات الدولية أن متوسط درجة حرارة الأرض ارتفع بنحو 0.6 درجة مئوية في القرن العشرين. دفع القلق العالمي حول تأثيرات الغازات الدفيئة في المناخ، الباحثين المتخصصين في المناخ والعلوم الطبيعية إلى إنتاج كم وافر من الإصدارات التي تثبت وللمرة الأولى تسبب الأنشطة البشرية المنتجة للغازات الدفيئة في رفع درجة الحرارة. ويتفق معظم الباحثين على هذه النتيجة التي تزداد يقينا مع مرور الأيام. يرجع تزايد انبعاثات الغازات المسببة الغازات الدفيئة إلى النمو الاقتصادي المعتمد على إحراق الطاقة العضوية في كل دول العالم. تركزت زيادة الانبعاثات في الدول الصناعية حتى العقود الأخيرة، ولكنها بدأت تتصاعد منذ ستينيات القرن الماضي في الدول النامية. نتج عن شح الموارد في الدول النامية سياسات متسامحة مع استخدام أرخص مصادر الطاقة كالفحم الحجري، وكذلك استخدام تقنيات باعثة للغازات الدفيئة بدرجة أكبر من الدول الصناعية. وزادت معدلات نمو استهلاك الطاقة في الدول الصاعدة؛ بسبب مرورها بمراحل التنمية الأولية التي يرتفع فيها استخدام المواد كثيفة الاستهلاك للطاقة كالحديد والإسمنت والألومنيوم.
كانت الولايات المتحدة والدول الصناعية الأوروبية أكبر الباعثين للغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي حتى بدأت الدول النامية في اللحاق بركب التنمية. وأدى النمو الاقتصادي والتركيز على الأنشطة الصناعية إلى حلول الصين أخيرا في المركز الأول عالميا في انبعاثات الغازات الدفيئة. أنتجت الصين نحو 23.4 في المائة من إجمالي ثاني أكسيد الكربون المنبعث عالميا إلى الغلاف الجوي في 2014، بينما تراجعت حصة الولايات المتحدة إلى 14.7 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية.
من ناحية أخرى، بدأت الهند تلحق بكبار منتجي الغازات الدفيئة، حيث احتلت المركز الثالث عالميا في إنتاج ثاني أكسيد الكربون، وبـ 5.7 في المائة من الإجمالي العالمي. ويبدو أن تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة بدأ يتركز بدرجة أكبر في الدول الصاعدة وخصوصا الكبيرة منها. يرجع معظم هذا الارتفاع إلى استيراد الدول الصاعدة للصناعات المنتجة للغازات الدفيئة والقيود البيئية المتساهلة مع تلوث البيئة، كما يعود إلى التنافس على خفض تكاليف المنتجات الصناعية الذي قاد إلى تغاضي كثير من الدول الصاعدة عن الآثار السلبية للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة. ومن المستغرب أن تقوم الدول الصاعدة مثل الصين والهند بتصدير العقول البشرية إلى الدول المتقدمة، وفي الوقت نفسه تبدو وكأنها تستورد التلوث من هذه الدول. وتطرح هجرة الصناعات الملوثة للبيئة من الدول الصناعية المتقدمة إلى الدول النامية تساؤلا عن جدوى وأهمية فرض قيود محلية ووطنية على انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث تقود الأنظمة المحلية الصارمة على التلوث في الدول المتقدمة إلى هجرة الصناعات الملوثة للبيئة إلى الدول الصاعدة. صحيح أن هذه الهجرة خففت من التلوث المحلي في الدول الصناعية، ولكنها زادته في الدول الصاعدة وعلى المستوى العالمي. وتوضح هذه النتيجة أن السياسات الاقتصادية والبيئية الوطنية في الدول المتقدمة لم تؤد إلى خفض حقيقي في انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، وإنما قادت إلى مجرد هجرة الثلوث محليا، وبقاء أثره الكلي على وجه البسيطة، وهذا يرفع من أهمية وضرورة تنسيق السياسات العالمية المرتبطة بالتلوث العالمي لتحقيق خفض حقيقي في انبعاثات الغازات الدفيئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي