رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الغائب مخطئ

كل غياب فقد، من غاب عن علم فقده، ومن غاب عن قلب نساه، ومن غاب عن الله أظلم باطنه، وانطمس نوره، ومن غاب عن صفة تلبس بأضدادها، ومن غاب عن البصيرة تردى في العمى وضل السبيل.
الغائب مخطئ ..!
في كل شيء ومع كل شيء، حين خفت الرقابة على تنفيذ المشاريع وقعنا في مشاكل السيول ،حين غبنا عن فرص عيش ورزق كانت قريبة الجني والنوال، عجزنا عن إرجاعها ممن نالها ولم يزل يقطف ثمارها .. وينعم من ريعها ..!
الغائب مخطئ ..!
من غاب عن أولاده، فقد التأثير فيهم، وفقد الصلة، والحضور ..، كل فراغ يمتلئ .. وكل قلب يبحث عن صلة، وحين غبنا عن أولادنا، وتباعدنا عن حس مشاعرهم، وإشباع عواطفهم الفتية .. سهل إضلالهم وغوايتهم وجعلهم قنابل بشرية في صلاة خاشعة .. لقد غبنا عنهم فكنا على خطأ .. لأن الفراغ في أنفسهم سحيق وبعيد وعميق عمق القناعة في أن يقتل نفسه عبورا بقتل الأبرياء حوله ..!
وحتى في جوانب الروح ومصيرها الخالد، الغائب عن ربه لا حضور له، لذا يسمي أهل الذكر لله، ذكر الله الحضور، وعدم ذكره غيابا، أو هو غياب النفس عن نصيبها منه، أو غياب الروح عن تجلي الجلال والجمال عليها .. يأتي الحضور كدلالة وجودية ممتدة في التفاصيل، والسعة، والامتداد .. والامتلاء ..!
الغائب مخطئ ..!
في تكوين الوعي، وتكوين الرؤية، وتكوين المعرفة، وما بعدها .. الغائب عن الفعل تابع .. وليس بمتبوع، ومقود وليس بقائد، وحامل وعي غيره، وحامل رؤيتهم وحصاد عقولهم .. الغائب مخطئ لأن من يصنع يقود، ومن ينتج يقود، ومن يعمل يكبر ويمد الله له سببا ويجعل له في الحياة سبيلا من سبل القوة والرفعة..!.
جزء أساسي مما نحن فيه، ومن ما نتجرعه، ونكابد تبعاته، هو أننا نستأثر الغياب عن الأسباب الموصلة، ونستأثر الغياب عن صناعة المقدمات المنتجة، والمقدمات المفضية لحياة أفضل مما نحن فيها، وأجمل مما اعتدنا عليها. "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .. لا بد من حضور عميق يبدأ أول مبتدئه أن يصلح الإنسان كل فاسد من نفسه، ليتم للمجتمع استقامة في السلوك، والصدق في النيات، والطهر في المقاصد. لأن غيابنا عن أنفسنا، ترك فينا كل هذا الكم الهائل من المظالم والخسائر التي صنعتها أيدينا، إننا نظلم أنفسنا طيلة الوقت، ويظلم بعضنا بعضا دائما، كأننا نكره ذواتنا، أو نسعى على الدوام إلى الانتقام منها .. إننا نخسر لأننا غائبون عن عمق الصلة بالله وغائبون عن عمق الصلة بما يجمعنا، وبما يوحدنا، وهو هذا الوطن الكبير الذي لا نملك في قرار المصائر والعبر الحاضرة إلا أن نحضر جميعا لنحافظ على مكتسباته ووحدته وحمايته. وقوته وممانعته على الطامعين فيه وأعدائه. وهذا ما لا يجوز فيه خطأ الغياب فمن غاب عن شيء فقده. ومن فقد وطنه فقد عزه وكرامته وحياته. لنبدأ بحياة الحضور التام .. فمن غاب عن شيء فقده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي