رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى وزارة التعليم .. ملاحظات في الهيكلة

أصدر وزير التعليم قرارا باعتماد تنفيذ مشروع هيكلة الوزارة، بعد دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة وتم إنشاء مكتب بمسمى "مكتب تنفيذ مشروع الهيكلة" يرتبط بالوزير مباشرة تكون مهامه الإشراف على تنفيذ مشروع إعادة الهيكلة، وفق خطة التحول المعتمدة. ولا ندري ما تقصد الوزارة بمشروع الهيكلة؟ هل هو مقتصر على مهام الوزارة في المركز الرئيس في الرياض وفروعه في المناطق الأخرى أم يتعداه إلى مكونات الوزارة كافة؟
"الهيكلة" وإن كانت تلجأ إليها المنظمات بين الحين والآخر لرفع أدائها، وزيادة كفاءتها، وتشذيب جوانبها إلا أنها تتطلب عملا ضخما وتحتاج إلى أموال وخبرات وجهد ووقت لأنها تتضمن تغييرا شاملا ووضع الأطر العامة والتفصيلية لجميع الأعمال والوظائف التي ستؤدى داخل المنظمة، وهي لا تقتصر على الهيكلة الإدارية وتوصيف الوظائف وسلّم الرواتب وإعداد نظام للإجراءات بل تتعدى ذلك إلى النواحي المالية مثل إعادة تقييم الأصول، وإعادة هيكلة الديون، وزيادة رأس المال، وزيادة التدفقات النقدية الداخلة، وخفض التدفقات النقدية الخارجة وغيرها.
وحتى ندرك المجهود المضني والعمل الجبار الذي تبذله المنظمات عند إعادة هيكلتها، علينا أن نتعرف أكثر على المقصود بـ "الهيكلة". وقد كنت أود أن أناقش هذا المصطلح بشيء من التفصيل إلا أنني سوف أرجئ ذلك إلى مقال قادم بإذن الله وأركز مقالي هذا على الأعمال التي ينبغي لوزارة التعليم مراعاتها قبل البدء في الهيكلة.
أريد أن أسأل وزارة التعليم: هل تدرك بالفعل حجمها الفعلي؟ هل تعلم أنها لم تعد تلك الوزارة الرشيقة التي تتولى مهمة التعليم للبنين فقط؟ فالأمر لا يقف عند دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي - كما بين تصريح الوزارة - بل تم، إضافة إلى ذلك، دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات وكليات المعلمين وكليات المجتمع من قبل تحت مظلة التعليم العالي والتربية التعليم ولهذا فوزارة التعليم بوضعها الحالي تضم بين جنباتها أربع منظمات كانت في السابق وزارات مستقلة فقد أصبحت ضخمة جدا وأصابها الترهل قبل أن تبدأ وهذا عيب تنظيمي يجعل إعادة هيكلتها مهمة صعبة للغاية وقد لا تؤدي الغرض منها خصوصا أن الوزارة هيئة حكومية لا تستطيع أن تتخلص من الموارد البشرية التي تتطلبها إعادة الهيكلة. وموضوع كبر حجم المنظمات يقودنا إلى "الترهل التنظيمي" وقد سبق أن فصلت في هذا الموضوع في مقالات سابقة ولا نريد التطرق إليه حتى لا نبتعد عن لب المقال.
نعود للموضوع فنقول إن ضخامة هذا التنظيم والدمج المتكرر لعدة وزارات في وزارة واحدة (وزارة التعليم) أفرزت عدة معوقات تنظيمية تجعل من مهمة إعادة الهيكلة مهمة صعبة للغاية. فقد ظهر التباين بين المكونات الحالية للوزارة في غالبية الجوانب من المهام إلى آليات العمل التشغيلية مرورا بالموارد البشرية، فالبرامج، فالثقافة التنظيمية وغيرها. رغم أن هناك تعليما عاما وتعليما عاليا وكلاهما يمارسان ويشتركان في أداء مهمة التعليم إلا أن الآليات التشغيلية تختلف تماما عن بعضهما، كما أن الموارد البشرية مختلفة والبنية التحتية مختلفة والأهداف وآليات العمل مختلفة والمستفيدين من الخدمة والبرامج وطريقة التقييم والمؤهلات ونوعية القيادة كل شيء مختلف.
كما أن دمج تعليم الذكور والإناث أظهر على السطح عدة مشكلات لم نكن نسمع عنها من قبل والتي أبعدت المؤسسات التعليمية خصوصا الأكاديمية عن مهامها الأصلية وأصبحت تقضي جزءا ثمينا من وقتها في بيان حسن النية، وبالذات ما يتعلق بتدريس الأساتذة الجامعيين للطالبات وكيفية التعامل مع الصيغ الأنسب دون تبعات سلبية وبما يحفظ الأمثلية الأكاديمية في الطريقة أو الأسلوب الأجدر بالتطبيق.
ولا يقتصر الاختلاف بين مكونات وزارة التعليم بوضعها الحالي على الرؤية والمهام والنواحي التشغيلية بل يتعداه إلى الثقافة التنظيمية. هناك عدة ثقافات تنظيمية متباينة تحت مظلة وزارة التعليم كانت في السابق منفصلة. فالثقافة التنظيمية للتعليم العالي تختلف تماما عن الثقافة التنظيمية للتعليم العام، والثقافة التنظيمية للرئاسة العامة لتعليم البنات (سابقا) تختلف عن تلك التي كنا نراها في وزارة المعارف (سابقا). كل هذه الثقافات أصبحت الآن تحت مظلة وزارة التعليم ونحن نعرف أن هناك أثرا للثقافات التنظيمية في هيكلة المنظمات. كما أن بعض مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية قد تكون بداخلها حضارات طائفية ومثل هذه المؤسسات ترفض أي اندماج مع منظمات أخرى وستسعى في إعاقة إعادة الهيكلة بكل الوسائل.
لذا أرى أن تتريث وزارة التعليم وألا تتسرع في أداء مهمة الهيكلة حتى تستوعب الوضع الذي تعيشه وتعرف بالضبط حجمها الفعلي بما تحويه من مؤسسات - كانت في الأصل وزارات عملاقة - فهناك جامعات، ومدارس، ومعاهد في الداخل، ومعاهد في الخارج، وملحقيات في الخارج، ومراكز، وإدارات، وأقسام، وموظفين، وأعضاء هيئة تدريس، ومعلمين، ومعلمات، ومشرفين، وطلاب، وطالبات وغيرهم. وأرى أنه من الأجدى لوزارة التعليم قبل إعادة الهيكلة تقسيم أنشطتها على شكل هيئات تنظيمية منفصلة وفقا للثقافات التنظيمية التي سبق تبيانها وترك مهمة الهيكلة لكل هيئة بما يناسب رسالتها ورؤيتها وأهدافها، وعليها أن تبتعد عن الهيكلة بشكل مباشر وتبقى في وضع المراقب والمشرف من بعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي