«السباحة» .. ومستوى السلامة المائية
تألمت كثيرا وأنا أشاهد مقطعا لغواص يخرج طفلا غريقا لا يتجاوز عمره 12 سنة من بركة ماء تشكلت بعد سقوط الأمطار في حفر الباطن، سقط فيها هذا الطفل أمام إخوته وزملائه الذين عجزوا أن يفعلوا له شيئا. بكل تأكيد فإن والديه وأقرباءه تألموا أكثر مني، وربما يستمر ألم والديه وإخوته لسنوات طوال.
بكل تأكيد لو أن هذا الطفل الذي خرج فرحا بالأمطار يتقن السباحة لتمكن من إنقاذ نفسه فالبركة راكدة المياه وغير عميقة أو طويلة المسافة، وكذلك لو كان أحد أقاربه الذين شهدوا حادث الغرق يتقن السباحة لتمكن من مساعدته وأنقذه كما يفعل كثير من السباحين الذين أنقذوا الكثيرين من الغرق لمهاراتهم في السباحة، فما بالنا لو أنهم يتقنون مهارات الإنقاذ أيضا؟
أذكر أن أحد الأصدقاء قال لي إن ابنه البالغ من العمر تسع سنوات ويجيد السباحة أنقذ طفلة تبلغ من العمر نحو ثلاث سنوات عندما سقطت في مسبح إحدى الاستراحات التي اجتمعت فيها عدة عائلات في عطلة نهاية الأسبوع من أجل الاستمتاع، ولولا فضل الله وإجادة هذا الطفل السباحة لتحولت المتعة إلى نكد وألم.
السلامة في المسطحات المائية الدائمة كشواطئ البحار والاستثنائية التي تتشكل بفعل الأمطار والسيول قضية تهتم بها كل الدول لحماية الأطفال والشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى التي تتعرض لحوادث الغرق لأسباب عديدة منها، إضافة لنشاطهم وحيويتهم وحبهم للأنشطة المائية، جهلهم بالمخاطر التي يكتنفها كل نوع من أنواع المسطحات المائية خصوصا تلك الناجمة عن الأمطار الغزيرة والسيول.
ولاهتمامات الدول بهذه القضية صور متعددة أهمها، كما يبدو لي، تعليم الأطفال والشباب السباحة ومهاراتها باعتبارها من أهم العوامل التي تنقذ الأطفال والكبار من الغرق.
أذكر أن اتحاد السباحة السعودي أطلق مشروع تطوير الألعاب المائية الذي يستهدف توسيع قاعدة السباحين وتخفيض نسبة التسرب من متعلميها لكي يواصلوا إتقان مهاراتها لاختيار المناسب منهم للمشاركة في البطولات المحلية والدولية، وأذكر أن المشروع أعلن غير مرة عن خطته لمحو أمية السباحة لدى الأطفال والشباب باستخدام مسابح الرئاسة العامة للشباب والمسابح المتاحة في المدارس والأندية والمراكز الرياضية. ولقد استبشرنا خيرا بذلك وخصوصا أن الاتحاد أعلن في الصيف قبل الماضي أنه محا أمية السباحة لنحو 20 ألف طفل رغم ضعف الإمكانات والموازنات المخصصة لذلك، وضعف تعاون القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق هدف محو أمية السباحة لكل أطفال وشباب المملكة.
لماذا لم يوفق اتحاد السباحة في محو أمية السباحة كما أراد؟ السبب كما يبدو لي واضح إذ إنه اتحاد رياضي لديه ميزانية ضعيفة، كما هو حال بقية الاتحادات الرياضية، مخصصة لتطوير مهارات الحكام والمدربين السعوديين والإشراف على البطولات المحلية واختيار الموهوبين وإشراكهم في معسكرات محلية وخارجية للمشاركة في البطولات الدولية لتحقيق الميداليات، وبكل تأكيد ليس لديه ميزانية مخصصة لتعليم السباحة لأطفال وشباب المملكة.
أعتقد أن وزارة التعليم هي الجهة الأولى المسؤولة عن محو أمية السباحة لدى الأطفال والشباب باعتبار أنها الحاضنة لهم جميعا، وباعتبار أن لديها حصصا مخصصة للرياضة يمكن استثمارها لتعليم السباحة التي يجب أن تكون إلزامية كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية حيث اطلعت سابقا على خبر يقول إن محكمة في مدينة لايبزيج الألمانية رفضت إعفاء تلميذة مسلمة من حصة السباحة ولو تعارض ذلك مع بعض التصورات الدينية حيث أكدت المحكمة ضرورة احترام مبدأ إلزامية التعليم.
نعم لدى وزارة التعليم أولويات وبالتالي توجه موازناتها للإنفاق على تلك الأولويات ولكن بكل تأكيد محو أمية السباحة لكل الطلاب والطالبات أصبح أولوية ويجب أن يكون إلزاميا خصوصا في ظل التحولات المناخية التي جعلت المسطحات المائية الاستثنائية كالبرك والمستنقعات التي تتكون نتيجة هطول الأمطار الغزيرة تفاجئ الأطفال والشباب والكبار دون سابق إنذار، وبالتالي علينا أن نبتكر الحلول التي تقوم على مبدأ التعاون والتكامل بين جميع الجهات المعنية في إطار تحقيق أهداف كل منها التي تحقق الهدف العام للبلاد بالمحصلة المتمثل في تعزيز السلامة المائية في كل الظروف والأحوال.
التعاون الرئيس يجب أن يكون بين اتحاد السباحة الذي يملك الخبرات والعلاقات الوثيقة مع المنظمات الدولية المتخصصة في تعليم السباحة والإنقاذ والسلامة وفق المعايير الدولية، والذي لديه التجربة المحلية ولديه متطلبات محو أمية السباحة للجيل الحالي والقادم، وبين وزارة التعليم الحاضنة للأطفال والشباب والمشرفة على المدارس الحكومية والأهلية التي يمكن أن تخصص مسابح معينة وتوجه الطلاب لتعلم السباحة بحيث يكون كل طالب متقنا للسباحة ومهاراتها، وكذلك يكون التعاون مع الأندية الرياضية بإدخال لعبة السباحة ضمن أنشطتها الرياضية كلعبة إلزامية. كذلك هناك دور كبير للمراكز الرياضية الكبيرة التي يمكن أن تتعاون هي الأخرى مع الاتحاد لطرح برامج تعليم السباحة للطلاب والطالبات في المدارس المجاورة وفق المعايير الدولية.
بكل تأكيد هناك دور كبير لرجال الأعمال والشركات في كل المناطق لرعاية أنشطة تعليم السباحة وتغطية نفقاتها انطلاقا من مسؤولياتهم الاجتماعية.
لاشك أن الشركات الكبيرة كأرامكو وسابك والمصارف وشركات الأسمنت المنتشرة في كل أنحاء البلاد يجب أن تلعب دورا كبيرا في ذلك.
برامج تعليم السباحة التي يمكن أن يطلقها اتحاد السباحة مع وزارة التعليم والمراكز والأندية الرياضية يجب أن تلعب دورا توعويا أيضا لجهة استخدام الأطفال والشباب لسترة النجاة والوعي بالمخاطر وكيفية تجنبها وهذه ميزة إضافية.
ختاما أتطلع إلى تعاون وتكامل مثمر وبناء وقابل للتطبيق وبالسرعة القصوى بين كل من اتحاد السباحة ووزارة التعليم والأندية والمراكز والأندية الرياضية والشركات الكبرى المعنية بخدمة المجتمع لإطلاق برنامج محو أمية السباحة في بلادنا لتجنب حوادث الغرق لننعم ونستمتع بالمسابح الخاصة والعامة والأمطار بعيدا عن مآسي الغرق بإذن الله.