الإنفاق الذكي على برامج الجامعات
الواقع يقول إن الاهتمام بجودة مخرجات التعليم الجامعي دون مستوى الطموحات. فمن المؤسف أن تصرف الدولة على مثل هذه البرامج المكلفة من جهة ولا تحقق أهدافها التنموية التي من أجلها أقرت من جهة أخرى. فاحتياج سوق العمل شيء وتلبية احتياج سوق العمل عبر مخرجات ذات جودة شيء آخر. ولا أقصد في حديثي مدى توافق المؤهل العلمي لخريجي الجامعات مع طبيعة الوظائف التي يعمل بها خريجو الجامعات لأنها ليست ضمن مسؤوليات الجامعات. فالتباين بين المؤهلات العلمية للموظف والوظيفة التي يزاولها بعد التخرج حقيقة موجود في كل المجتمعات. لكن ما أقصده أن الجامعات عليها مسؤولية التأكد من أن مخرجات برامجها تتفق مع أهداف برامجها العلمية. فمثلا من غير المنطقي ألا يعي خريجو الحاسب الآلي لدى بعض جامعاتنا أبجديات الحاسب الآلي. فبعض مستشفيات التشغيل الذاتي لا توظف لديها خريجي بعض برامج البكالوريوس في الحاسب الآلي لبعض الجامعات الناشئة لقناعتها بأن مخرجات تلك الجامعات ضعيفة. كما أنه من المخجل أن بعض خريجي اللغة الإنجليزية من بعض الجامعات خصوصا الناشئة لا يعون أبجديات اللغة الإنجليزية. بل أصبحت بعض القطاعات تفضل خريجي دبلوم من معهد الإدارة على خريجي بكالوريوس لغة إنجليزية من بعض الجامعات السعودية، وقس على ذلك خريجي بعض التخصصات الصحية وغير الصحية.
لذا يجب ألا نغتر أو نفتخر في كثرة خريجي الجامعات دون أن نربط أعداد خريجي الجامعات بمخرجات تلك البرامج. ولعل جزءا من مشكلة ضعف بعض برامج الجامعات أن نمط ميزانياتها السنوية - الذي اعتمدته وزارة المالية - يعتمد بشكل مباشر على لغة الأرقام كمدخلات (إعداد الطالبة) دون قياس جودة مخرجات تلك البرامج وجودة خريجي تلك البرامج. هذه الحقيقة دفعت بعض الجامعات لأن تهرول لزيادة برامجها وكلياتها دون التفكير في جودة تلك المخرجات لأن الاعتمادات المالية تعتمد على إعداد الطلاب وكثرة البرامج وليس على جودة البرامج والمخرجات.
لذا فإنني أجد أن ترشيد الإنفاق يحب أن يبدأ بربط الاعتماد المالي بجودة برامج الجامعات سواء البرامج الصحية أو التعليمية خصوصا أن القطاع الصحي والتعليم يستحوذان على نصيب الأسد من الميزانية العامة للدولة. فتغيير نمط الميزانية من line item budget إلى ميزانية الإنجاز performance budget أو global budget يساعد الحكومة على ترشيد الإنفاق من جهة كما يساعد على دعم البرامج التي تسهم حقيقيا في التنمية بصورة مباشرة.
كما يجب أن يكون للهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي دور أساسي في قبول اعتماد البرامج ومراقبتها بعد الاعتماد. فربط جودة البرامج واعتمادها كأساس عند اعتماد الميزانيات السنوية تطبيق معتمد لدى العديد من الدول. بل إن بعض الجامعات الغربية تضطر لإقفال بعض برامجها التعليمية مع أنها جامعات حكومية بسبب عجز تلك البرامج الالتزام بمعايير الجودة والقيام بنفسها. فبعض برامج الجامعات لدينا ليست فقط عاجزة عن القيام بنفسها بل إنها أصبحت عالة على التنمية بسبب سوء أو ضعف مخرجات برامجها، كما أنها تستهلك من ميزانية الدولة مبالغ كبيرة دون فائدة.
أعتقد أن الوقت قد حان لإعادة تقييم مخرجات العديد من البرامج التعليمية للتأكد من جودة مخرجاتها وفائدتها على التنمية، فالمرحلة الحالية تتطلب منا ألا نجامل في تقييم البرامج. لذا فإني أدعو أن تعطى البرامج الأكاديمية فترة زمنية لرفع جودتها، وفي حالة عجزها عن الوفاء بتلك المعايير والمخرجات الأكاديمية تتم إعادة النظرة فيها وإغلاقها إذا تطلب الأمر.