رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


رقة العزلة

بين وقت وآخر تصلني إهداءات من بعض المؤلفين وأنا أجدها فرصة سانحة لقراءة ما يتيسر منها، وأزعم أنني أقرأ بشكل يومي وكلما وجدت فرصة لجأت إلى كتاب إلكتروني أو ورقي؛ فالكتاب صديق وفي صامت رغم صخب حروفه وكلماته وأفكاره.
"فرايبورج رقة العزلة" من الكتب التي وجدت متعة وأنا أقرأ فيه وقد أهدتني نسخة منه مؤلفته الهنوف صالح الدغيشم.
لعل أول ما لفتني في الكتاب وهو عبارة عن مجموعة قصصية، عبارة الإهداء التي تقول: لم تكن الغربة طريقا إليهم... كانت الطريق لأرى نفسي.
طبيبة الأسنان السعودية المبتعثة إلى ألمانيا تقول: "أكتب عن تحولاتي وما انتابني في مدينة فرايبورج الصغيرة".
وتتساءل: "كيف تؤثر الأماكن في أرواحنا؟ كيف تعجننا وتشكلنا وتمنحنا ألوانها؟".
هي أسئلة تأخذ منحى فلسفيا.
هل هي سيرة ذاتية؟ أم مجموعة من السير الذاتية؟ أم أنها نواة لقصص قصيرة، تؤسس للحكاية الكبرى: الغربة وأثرها والعزلة ورقتها؟!
لفظ الغربة يتكرر دوما؛ من خلال عبارات مركزة: "يقولون الغربة مرة" أو "كانت تروق لي فكرة أن القدوم إلى المدن الغريبة من ناحية البحر هو القدوم الأكثر حميمية".
تبدو العبارات سلسة يكتنفها حزن شفاف، وهناك حنين "الرياض أحتاج إليها وآتيها لاهثة من مشقة الحياة الألمانية وما أن أصل إليها حتى تثقلني ببروتوكولاتها الاجتماعية"، نحن هنا في لحظة عودة صوب أفق آخر... "أعود إلى شقتي الصغيرة في ألمانيا، هذا الشتاء بارد لكنه حقيقي لا يوجد ممثلون هنا ولا متملقون لا لغو حديث ولا نساء يتناقرن كالديكة..." هذا الصدق في البوح يلمس بعض الجرح تارة يضع الملح وتارة يربت على المشاعر ويحاول أن يهدهدها.
تقول الكاتبة: "في فرايبورج كنت متصالحة مع بكائي في الشارع" وهي تهمس لامرأة جلست جوارها وأخذت تحادثها: "أتعرفين؟ أنا هنا منذ أربع سنوات وهذه هي المرة الأولى التي يبادرني فيها ألماني للحديث معي في الشارع!".
الكتاب جميل جدا ويستحق القراءة والمقتطفات التي اجتزأتها هنا بعيدة عن جوهر القصة. "بين فرايبورج والرياض توجد تفاصيلي، كتبي وأشيائي الصغيرة".
أدعوكم لقراءة الهنوف صالح الدغيشم إذ إن لديها الكثير مما يستحق القراءة. قصص أو سيرة الهنوف جاءت في 125 صفحة طبعتها الدار العربية للعلوم. لقد كان الكتاب رفيقي في سفرة قصيرة وكان خير رفيق في بعض أوقات الفراغ. اليوم السبت: الإجازة فرصة جيدة لاستئناف القراءة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي