الوعي العام تجاه «الضريبة» و«التنافسية» العادلة
هل تغذي "العولمة" مشروع "الفوضى الخلاقة" في منطقة الشرق الأوسط بالوقود اللازم لاستمراريتها وتفاقمها؟ سؤال دائما ما يدور في ذهني، وإذا كان ذلك صحيحا كيف لنا أن نستفيد وننعم بفوائد العولمة التي يجب أن نشارك في صناعة قواعدها؟ وكيف لنا أن نتجنب الآثار السلبية للعولمة التي باتت واقعا نعيش تفاصيله بشكل متزايد بمرور الوقت؟
يبدو لي أن أول خطوة للنجاح يجب أن تكون رؤية العولمة كما هي عليه في الواقع لا كما يريد أن يراها كل منا من زاويته أو بهواه أو تطلعاته. نعم، يجب أن نستطيع أن نبني وبشكل محايد وموضوعي صورة واضحة للعولمة بكل محاورها وتجلياتها ومتطلبات التعامل معها، والمحفزات التي تمكننا من استثمارها، والعوائق التي تمنعنا من ذلك.
للعولمة سياسات وضعها مبتدعوها ومنظروها، كما أن لها أنظمة وهياكل مؤسسية وإجراءات واتفاقيات دولية توقعها الدول وتلتزم بها وتظن للوهلة الأولى أن اتفاقيات متناثرة هناك وهناك إلا أنها عندما تجتمع في ذهن محلل استراتيجي يدرك أنها منتظمة بناظم متين يجعلها تتكامل في تحقيق رؤية ذكية مؤداها إضعاف سيادة الدولة في وضع الأنظمة والشروط والقيود على حركة البضائع والأفراد والأموال والمعلومات في إطار تحقيق هدف مقنع وهو "إيجاد وضع تنافسي دولي للتجارة يعتمد على الكفاءة الاقتصادية في تخصص الموارد".
الدول الرأسمالية الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تدور في فلكها كاليابان وكوريا الجنوبية والصين، هي الدول الصناعية المسيطرة على الأسواق العالمية، وهي الدول التي تطبق النظرية الرأسمالية بكل تفاصيلها في شؤونها الاقتصادية كافة، وهي الدول الأقدر على الرصد والتحليل والتشخيص للمتغيرات الاقتصادية والاستجابة لها والتماهي معها بما يحقق مصالحها، بل إنها هي الدول التي باتت تصنع المتغيرات وتعطيها أوزانها النوعية في مدى التأثير في الواقع والمستقبل، وبالتالي هي الدول القادرة على الاستفادة من فتح الأسواق وتحرير التجارة وإزالة القيود والعقبات لإيجاد وضع تنافسي للتجارة يقوم على الكفاءة الاقتصادية في تخصيص الموارد التي تقوم على الكفاءة الإدارية والفنية والتقنية والمالية والقدرة على الاختراع والابتكار والتطبيق في مدد قصيرة في عالم يأكل فيه الأسرع الأبطأ كما يأكل فيه الأقوى الأضعف.
وبمناسبة البون الشاسع في القدرة على الإنتاج والاستجابة للمتغيرات استوقفتني صورة لامرأتين في فرنسا بعد التفجيرات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة باريس منذ بضعة أيام تحملان لائحة مكتوبا عليها قررنا مقاطعة العرب ولكن لم نجد لهم منتجات في أسواقنا يمكن أن نقاطعها، ورغم أنها "نكتة" كما يبدو للجميع إلا أنها ومع الأسف الشديد حقيقة تشي بأن فتح أسواقنا في ظل العولمة الاقتصادية سيكون لمصلحتهم لأن مستثمرينا أبناء بيئة اقتصاد رعوي تفضيلي حمائي محلي الفكر والحدود في غالبه. لم يتقنوا فنون الإنتاج الجيد المتجدد المنافس لجهة الجودة والسعر وخدمات ما بعد البيع والتسويق الفعال الذي يجعل من يقتني المنتج يشعر بأمور تتجاوز وظيفة المنتج كالشعور بالثقة والتميز والتفرد وغير ذلك مما يريد أن يشعر به العملاء عند شرائهم منتجات أي شركة.
أهم عنصرين يجب أن يعاد تشكيل الوعي حيالهما هما "التنافسية" و"الضريبة" فالأولى ستكون السمة الغالبة والفاعلة في صراع الأسواق المفتوحة والتجارة الحرة، كما ستكون المنطلق الأساس للتعليم بكل مراحله والتعليم النوعي المتقدم وبناء هياكل الابتكار والإبداع والتقنية والاقتصاد المعرفي وغيره، في حين أن الثانية ستكون المورد الأساس لخزائن الدول الرأسمالية كافة التي طغت نظريتها وتطبيقاتها على كل الدول وبدأت بفرضها من خلال المنظمات الدولية، ومن ذلك فرض الأنظمة والنماذج والاتفاقيات الضريبية التي تشمل التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية والامتثال الضريبي على الحسابات لحماية مواردها المالية الأساسية من التذبذب في ظل العولمة التي تتيح الملاذات الضريبية والتهرب الضريبي وتآكل الأوعية الضريبية وترحيل وتحويل الأرباح ونقل مراكز الشركات للدول الأقل ضريبة.
هذان العنصران، حسب علمي وفي ظل الثقافة السائدة حاليا، قد يكونا مثار لغط وغضب شعبي مالم يع المستثمرون بشكل خاص والمجتمع بشكل عام توجهات العولمة في عنصري التنافسية والضريبة والعلاقة التي تربطهما وخصوصا أن منظمة التجارة العالمية سعت وتمكنت من تخفيض الضرائب الجمركية من 20 في المائة إلى 5 في المائة تطبيقا للوائحها التي تمنع توظيف الضرائب الجمركية كأداة حماية تحد من التنافسية الحرة وتسعى حاليا لتعميم ضريبة القيمة المضافة (مطبقة في نحو 150 دولة حول العالم) التي تعزز التنافسية العادلة في كل الدولة لتعويض النقص بالإيرادات الذي لحق بموازناتها نتيجة تخفيض ضريبة الجمارك خصوصا أن ضريبة القيمة المضافة ستؤدي لزيادة الإيرادات من خلال توسعة الوعاء الضريبي بزيادة قاعدة الممولين وزيادة عدد السلع والخدمات التي تفرض عليها الضريبة.
التجارة الحرة تعني فتح الحدود أمام انتقال البضائع والمنتجات بين الدول وشطب أو تخفيض الضرائب الجمركية لكي تحيد في معادلة المنافسة بحيث تستطيع أي سلعة منتجة أن تدخل أي بلد دون زيادة مؤثرة في ثمنها لتنافس المنتجات المحلية الشبيهة، وهذا يعني أن منتجات الدول الصناعية الكبرى ستسود في الدول النامية وتغلق المصانع والشركات المحلية مالم تتمكن هذه الدول من فهم قواعد التنافسية والميزات التنافسية في إطار تحقيق شروط المواصفات والمقاييس لكل سلعة أو منتج. وهذه تتطلب إعادة هيكلة فكرية لدى المستثمرين وإلا سيواجهون مصيرا مؤلما بمرور الوقت.
المواطن المستهلك العادي سيواجه تضخما محتملا نتيجة تعميم الأنظمة الضريبية التي تقودها مجموعة العشرين التي تشارك المملكة في عضويتها وهذا يتطلب تهيئة وإعادة هيكلة اقتصادية أيضا لتوليد الوظائف ورفع مستوى الأجور.
ختاما، كلي أمل ورجاء أن تتعاون الهيئة العامة للاستثمار ومصلحة الزكاة والدخل لإعادة تشكيل الوعي تجاه الضريبة والتنافسية العادلة لنغتنم فرص العولمة ونتجنب مخاطرها.