اللجان .. وسبل تفعيلها
كثيرا ما كان يردد الدكتور غازي القصيبي رحمه الله مقولة: "إذا أردت أن تنهي أو تقتل موضوعا، فأحله إلى لجنة". هل بالفعل أصبحت اللجان مكانا لقتل القرارات ونوعا من الانسحاب التكتيكي عن مواجهة ضغوط المجتمع؟ وهل بالفعل أصبحت اللجان توضع ليكون القرار غير المحايد محايدا نظاميا؟ وهل المشكلة اللجان نفسها، أم في آلية تشكليها ووضع الضوابط لضمان نجاحها؟
لا شك أن عديدا من بعض اللجان نجحت في تحقيق أهدافها بفعالية وكفاءة، لكن ظلت النظرة للجان نظرة سلبية لأسباب عديدة، لعلي أتطرق لبعضها في هذا المقال.
فهناك عدة عوامل أسهمت في إضعاف مخرجات اللجان. هذه العوامل متنوعة ومختلفة، ولعلي أركز على العوامل السلبية لتفاديها، وهي كالآتي:
أولا: آلية اختيار رئيس اللجنة وأعضائها.
فللتأكد من حيادية اللجان لا بد من التأكد من أن آلية اختيار أعضاء اللجان تصدر من قبل إدارة محايدة أو من شخص محايد. فمن غير المنطق أن نتوقع قرار لجنة ما أن تكون محايدة إذا تم اختيار أعضائها بصورة غير محايدة. فمثلا إذا كان رئيس اللجنة هو من يختار أو يرشح أعضاء اللجنة، فمن الطبيعي أن يختار الأعضاء الذين يضمنون له الأكثرية في اللجنة، لذا فلضمان حيادية اللجان، يجب أن توكل مهمة تحديد أعضائها إلى جهة محايدة تختارهم بعناية ووفقا للمهام الموكلة إلى اللجنة. فلا يمكن بأي حال من الأحوال التأكد من حيادية لجان يتم تعيين أو اختيار أعضائها من قبل رئيس اللجنة؛ لأنه في هذه الحالة سيرشح الأعضاء الذين يضمنون له أكثرية للتصويت على قرارات اللجنة خصوصا في اللجان الحساسة والمهمة.
ثانيا: طبيعة العلاقة بين أعضاء اللجان.
فعلاقة أعضاء اللجنة يجب أن تكون علاقة محايدة. فمن غير المنطقي أن يكون مدير إدارة ما هو من يترأس اللجنة وأعضاء اللجنة موظفون لديه أو يعملون تحت إدارته، فلا شك أن الموظفين قد لا يريدون أن يخالفوا مديرهم خصوصا إذا كان مديرهم متسلطا ولا يقبل الآراء الأخرى. فإذا كان الموظف عضوا في لجنة مع مديره المباشر أو غير المباشر، فإنه سيكون أمام إشكالية أخلاقية خصوصا في اللجان الحيوية، فهو بين اتخاذ القرار الذي يرى أنه صحيح، وبين الرأي الذي يضمن رضى مديره عليه في ظل أن آليات تقييم موظفي الدولة تفتقد المهنية العلمية غالبا.
ثالثا: ملاءمة الخبرة العلمية والعملية لطبيعة عمل اللجان.
قبل تحديد أعضاء اللجان من المفترض أن يتم اختيار الأعضاء الأكثر إلماما بالموضوع، إما بسبب الخبرة العملية وإما بسبب الخبرة العملية. هناك لجان يفترض أن يُختار أعضاؤها وفقا لتخصصاتهم الإدارية أو العلمية أو الفنية. فلتمرير القرار من قبل المديرين النفعيين، يتم تشكيل اللجان بصورة تضمن أغلبية التصويت من قبل بقية الأعضاء، بحيث يصطدم تصويت الأعضاء المختصين مع أصوات أعضاء غير مختصين لكنهم يشكلون أكثرية، ما يعطي ظاهريا أن اللجنة فيها مختصون لكنهم مفرغون من القدرة على التأثير في قراراتها.
رابعا: الطريقة التي يعرض بها الموضوع.
فآلية عرض الموضوع تؤثر في قرار اللجان. فبعض اللجان لا تقدم المعلومات الكاملة لأعضائها، وإنما تعرض المعلومات التي تقود أعضاء اللجان للتصويت بالقبول أو الرفض بحسب آلية عرض المعلومة. كما أن آلية التصويت سواء بالموافقة أو المعارضة للقرار قد تقود التصويت نحو اتجاه واحد.
خامسا: النسبة أو عدد الأعضاء اللازمين لإقامة اللجنة.
فبعض اللجان ونظرا لحساسيتها تتطلب حضور ما لا يقل عن 75 في المائة من أعضائها كشرط لانعقاد الاجتماع، بينما البعض الآخر من الممكن أن يعقد وإن لم يحضر إلا 50 في المائة؛ لذا فإن تحديد هذه النسبة مؤثر في توجيه القرارات. فبعض القرارات قد يتم اتخاذها في وقت لا يكون معظم الأعضاء موجودين.
هذه العوامل وغيرها تؤثر في قرارات اللجان ومدى حيادتها، ما آمله هو أن توضع آليات وسياسات إدارية تحدد عمل اللجان للتأكد من حيادية قراراتها. كما آمل أن يتم تغيير آليات اختيار اللجان وتسلسلها بحيث تكون وفقا لمنهج واضح يضمن حياديتها وموضوعيتها. فمثلا نهج روبرت (Robert's Rules of Order) والقواعد التي وضعها في كيفية وضع اللجان وضمان حيادية قراراتها من القواعد التي تساعد صانع القرار على ضمان حيادية اللجان التي تعمل تحت مسؤوليته. لدرجة أن كتاب ( Robert's Rules of Order) يتصدر لدى موقع أمازون للكتب الأكثر مبيعا في مجال الاختيارات العامة وصناعة القرار السياسي. فالكتاب يحكي كيفية تشكيل اللجان من آلية وضع أهدافها مرورا بكيفية اختيار أعضائها وآلية التصويت فيها إلى كيفية الوصول لنتائجها. هذا الكتاب من أفضل الكتب في مجال إدارة اللجان وكيفية إدارتها بحيادية.
باختصار غالبية اللجان في الدوائر الحكومية تفتقد المعايير اللازمة لضمان قيامها بدورها بفعالية واستقلالية. فالمشكلة التي أعطت السمة السلبية للجان هي افتقادها الأبجديات التي تمكنها من تحقيق أهدافها التي "من المفترض" أنها وضعت من أجلها.