رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عبدالله فؤاد .. وسيبقى ظل جناحيك

.. هذه أول مرة أكتب عن عزيز راحل من منطقتي بالشرقية هنا في "الاقتصادية". عادة أكتبها في جريدة اليوم الصادرة هناك حيث معارف من رحل وأحبابه وأهله.
اليوم مختلف جدا، لا أكتب عن رجل بحجم المنطقة الشرقية بل بحجم النجاح الإنساني. من عرف قصة الرجل، أو عرف الرجل من قرب سيجد أنه بحجم أساطين النجاح التجاري في العالم، ويتفوق بطيبته المعجونة بخلقه، وقوة إيمانه بأن الحياة عبارة عن لعبة صعود شاهق وهبوط ساحق، وأن الرزق عند الله وحده.
إنه رجل الأعمال الفذ الشيخ عبد الله فؤاد بوبشيت، عاش وفي وجهه بسمة من أعماق نفسه المضيئة، واختاره الله وفي وجهه البسمة ذاتها، وبين البسمتين قصص لا يمكن للرواة أن يحكوها، رواية حياة مسجلة بالعرق والضنى، وموثقة بالفوز والعثرات. بين البسمتين كفاح مرير من الجوع السافر إلى النجاح الباهر. قصة النسر الأشم الذي حكاه عمر أبو ريشة في قصيدته الذي عند سقوطه تخاطفته بغاث الطير. بلغ عبد الله فؤاد، يرحمه الله، النجاحات التجارية التي يتمناها أي تاجر، وكان خبيئا صامتا خجولا بإهاب قليل وبصحة جاذبته أيضا التماسك حينا والتفكك حينا طيلة حياته.
عبد الله فؤاد نقل التجارة في المنطقة الشرقية للعصرنة. أقام أفضل الأسواق المركزية عوضا عن الدكاكين الصغيرة، ومجمعات الجملة، وجعل التسوق متعة للنظر والنزهة معا، هو من طبق فعلا نظرية التسوق الأولى في المنطقة، العرض يخلق الطلب. على أنه كان قبل ذلك وبقي مقاولا مع شركة أرامكو وغيرها، ويطيب لكل من عمل معه، وأظنهم كثير، من الجيل السبعيني من عاملي القطاع الخاص في الشرقية كل واحد منهم سيحكي لكم عنه حكاية، حكاية التواضع، حكاية الذكاء، حكاية العملية، حكاية حبه لمن يعمل معه، حكاية وفائه.. وتاج صفاته البساطة والتواضع التي لا ينفك منهما ولا ينفكا منه. إنه النسر الذي عندما سقط لم يغضب من بغاث الطير، فقدر ظروفهم وظرفه. كان الشيخ عبد الله فؤاد غير نسر فؤاد أبو ريشة الذي جمع شتات افتخاره وصعد في السماء شاهقا ليهوي لسقوطه الأخير. عبد الله فؤاد سميته يوما "طائر العنقاء" رمز الأسطورة الفينيقية، الذي ما إن يسقط بالنيران حتى يخرج مقلعا بجناحيه العملاقين ينفض الرماد. تداعت إمبراطورية عبد الله فؤاد أكثر من مرة وتقاسمها من تقاسمها، ولكن عبد الله فؤاد لازمته بسمته، فهي صديقة عمره وصاحبته التي لا تتخلى عنه ولا يتخلى عنها، لا يذل قلبه ولا تضعف روحه، فإن كان الفقر قادما فيا أهلا به فهو خبير به منذ صباه. لا شيء يهم القلب العامر بالإيمان، الإيمان الذي شيد بوجدانه قصرا ذهبيا من سبائك الطيبة والبساطة والتفاؤل وحب الناس وقوة الثبات، قصر لا يعرف إلا للمعان، وكل مرة يزداد فوق أبراجه العالية الوهج والبريق.
لا أقابل العم الشيخ عبد الله فؤاد إلا ويضمني، وأشعر بالهيكل النحيف بين يدي، وكأن العالم غاب فجأة، ليبزغ عالم ثان، وكأنه يضمك ليريك مشهدا خياليا طوباويا نقيا.. ثم لما يبتعد عنك يبقى تعلقك بذاك المشهد تتمسك بآخر قطفاته.
أتمنى من قلبي من كل من يمارس أي عمل إنساني كان، خصوصا من الشباب، معرفة قصة الشيخ عبد الله فؤاد الذي بسط على مدينتنا الدمام اسمه وتاريخه في كل طوبة فيها، حتى حمل أكبر حي فيها اسمه، وفخر الحي، وفخرت المدينة. إنها القصة الواقعية التي ستلهمكم ربما أكثر من أي قصة سطرها كتاب.
رحل الرجل النحيل الباسم، النسر الذي بسط ظل جناحيه على المنطقة الشرقية، وعلى قلوب ناسها.
اللهم ارفعه لمقام الأبرار الطيبين الصالحين. آمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي