وزارة العمل والمعادلة الصعبة

لعل من أهم مسؤوليات وزارة العمل، محاولة التوسط لإيجاد فرص عمل للمواطنين. وفي الوقت نفسه، عليها مسؤولية إصدار التأشيرات لطالبي استقدام العمالة الأجنبية المُنافِسة! فكيف، يا تُرى، تستطيع التوفيق بين المتناقضَين؟ من المعروف أن مصدر صعوبة توظيف المواطن من الأساس هو وجود الموظف الأجنبي. ومن أجل أن نكون مُنصفين مع المجهود الكبير الذي يبذله المسؤولون في وزارة العمل، فواقع حالنا لا يساعدها على إنجاح النصف الأهم من مسؤولياتها، وهو توظيف أبناء الوطن. ربما لأن سياساتنا الداخلية تتحرج من وضع قوانين صارمة تصب في خانة المواطن الذي يبحث عن مصدر رزق يتعيش منه، هو وأهل بيته. فبما أن ثروة رجال الأعمال هي من خيرات هذا البلد، يجب أن يكون للمواطن نصيب منها ولو بطريقة غير مباشرة. ولكن ليس هناك ما يجبر أصحاب الأعمال على تقديم المواطن على الوافد، على الرغم من أحقية الأول على الثاني. ولا يُفهم من هذا الكلام أننا ضد وجود العامل الأجنبي على الإطلاق. بل هو العكس تماما. فنحن بحاجة إلى استقدام أصحاب المهن والخبرات التي لا تتوافر في شبابنا. وكذلك بعض الأعمال الخدَمية التي لا يقبل عليها المواطنون في وقتنا الحاضر، بسبب وجود المجال الواسع للمراكز الأكثر قبولا وأسهل أداء. ولكننا، في الوقت نفسه، ضد استقدام عمالة تنتهي باستغلال ظروفنا ونظمنا المرِنة فتكسب أموالا طائلة بحُرية كاملة تحت سمعنا وبصرنا. فالذي يستقدم هذه العمالة ويفتح لهم مجال البيع والشراء لحسابهم، مقابل عمولة شهرية يتسلمها منهم وهو جالس في بيته، هو ظالم لنفسه وفعله إجرام في حق وطنه ومواطنيه. وكان من الممكن ألا تسمح الجهات المسؤولة، وهي أكثر من طرف واحد، أن يتفرد أي مواطن بالتصرف في العمالة حسب مصالحه الخاصة التي تتعارض مع القوانين والنُّظم. ولعله من نافلة القول الإقرار بأننا لسنا جميعا بريئين من المشاركة في تشجيع هذه الظاهرة ولو بدون قصد، لأن معظمنا يعلم أن نسبة كبيرة من البائعين الذين نشتري منهم طلباتنا هم من هذه الفئة، ومع ذلك فنحن نقبل التعامل معهم، خصوصا في محال التجزئة والورش المنتشرة في كل ركن من مدننا وقرانا.. وأكبر دليل على وجودهم قضاؤهم ما لا يقل عن 15 ساعة في الدوام اليومي. ونعود لنؤكد أن ضرر الكثيرين من هذه العمالة أكبر من نفعها. ناهيك عن إنهاكهم للمرافق العامة واستغلالهم للتخفيضات الاقتصادية للمواد الغذائية ومصادر الطاقة التي تتحمل خزينة الدولة معظم تكاليفها.
ونحن ندرك ضخامة المجهود الذي تبذله وزارة العمل الموقرة من أجل إقناع صاحب العمل بضم أكبر عدد ممكن من الأيدي الوطنية. ولكنه مجهود يحد من فاعليته غياب القوانين وعقاب المخالفين التي من المفروض أنها تحكم العلاقة بين المواطن وصاحب العمل، كما هو الحال في بلدان أخرى. والسماح بالاستمرار الوضع الحالي المتعلق بجلب عمالة أجنبية تنافس المواطن في العمل، وفي الوقت نفسه، تجد منْ يسمح لها، لا بل ويسهل أمورها لتتفرغ للبيع والشراء لحسابها وتصدير مكاسبها لأمر يدعو إلى الحيرة. أضف إلى ذلك استغلالهم جميع ما هو مهيأ للمواطن من التسهيلات المتاحة لهم، نظرا لوجودهم بيننا.
ولا شك في أن هناك ما يشغل بال صاحب العمل من شؤون العامل السعودي. فهو ناقص التدريب والبعض منهم لا يلتزمون بساعات الدوام رغم أهمية ذلك بالنسبة إلى صاحب المنشأة. وهذه قضية جوهرية يجب أن تعالج بمفردها. لأن هناك عاملا آخر لا يقل أهمية، وهو تدني الرواتب والمكافآت. فكيف نطلب من رب أسرة أن يعمل ببضعة آلاف ريال في الشهر، قد لا تتعدى ثلاثة أو أربعة آلاف، ونحن نعلم علم اليقين أن مستوى المعيشة في بلادنا حاليّا يتطلب دخلا لصاحب العائلة لا يقل عن سبعة إلى عشرة آلاف ريال. وهذا ليس ذنب المواطن ولا هو من تدبيره. بل هو الواقع ولا مفر منه. صحيح أن رجل الأعمال يستطيع استقدام العامل الأجنبي بأقل من ألفي ريال، وربما يكون أكبر إنتاجا. ولكن يجب أن تقدم مصلحة المواطن الذي هو جزء من المجتمع على أي مصلحة أخرى مهما كلف ذلك. وربما متسائل يقول، إن مثل هذه الخطوة من شأنها تآكل المكاسب على المستثمر. وهذا فيه كثير من الصحة. ولكن أصحاب رؤوس الأموال لديهم الاختيار عند عمل دراسة الجدوى الاقتصادية وفرض توظيف المواطن براتب مجزئ، بين أن يتوكل على الله ويستثمر أو لا يقبل، وهو حر في تصرفه.
وفيما يتعلق بالتدريب والتأهيل، فهذا من مسؤوليات المسؤولين في الدولة. إما أنهم يقومون بتأسيس مراكز تدريب على مستوى الطلب أو تكليف أصحاب العمل بالقيام بهذه المهمة بموجب ترتيب خاص وإعانة من الحكومة. وفي الظروف الجديدة، على وزارة العمل ألا تسمح لأي مواطن بالانتقال من عمل إلى آخر إلا بعد إكمال مدة معينة من الخدمة المتفق عليها مع صاحب العمل. ولو ترك العمل فلا يسمح لأي جهة بتوظيفه حتى لا نعود إلى الفوضى التي نعيشها اليوم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي