رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لماذا تغبطك صديقتك؟

تأملات الإثنين
من سعاد العازمي، الكويت سألتني سؤالا كنت سأضعه في أرشيف "رشقات معرفية" في حسابي في "تويتر" لولا أن السؤال شغلني.
"أنا لست سعيدة بحياتي. وأقرأ في كتب السعادة باللغات الثلاث التي أتقنها. ولكن لا أعرف كيف أطبقها. هل هي عبارة عن نظريات كالغبار تطير مع الهواء أم أني أنا بي خلل ما. وحضرت دورات متخصصين وبعضهم لم يمس شعرة من اهتمامي. هل من توجيه؟".
وإجابتي لسعاد، أسعدها الله، أن الجواب هو: لا جواب!
لا يمكن لأي أحد في هذا العالم أن يصلح داخلنا سوانا. خلقنا وكل مفاتيحنا بداخلنا، مفاتيح السعادة، والحزن والغضب والفرح، والبهجة والاحتفال، والحب، والكره، والميل، وعدم الميل، والمزاج، والطبيعة. وهذه المفاتيح إما تفتح قفل باب السعادة وإما تقفله، باب الكره، والحب، والمزاج، واضطرب الطبع وأنواع السلوك. وهنا شيء مهم جدا؛ أن هذه المفاتيح لا يمكن أن تفتح بابا آخر في داخل شخص آخر. تماما كمفاتيح المنازل، فمفاتيح بيتكم في الحي الذي تقطنين فيه لا تفتح أبواب الجيران.
كل منا خلق بروعته الخاصة. كل منا له دليل يرشده للطرق الصحيحة في الوقت الصحيح. المهم أن ننتبه لنداءاتنا وحسنا من الداخل. من المهم أن نصغي لأنفسنا حتى نفهم ما نريد، فإن فهمت ما تريد صديقتك حصة مثلا فإن هذا لا ينفعك، وإن كان ما فهمته عن رغبة حصة صحيحا. أظن واضح حتى هنا؟!
نعود للسؤال هل الكتب التي ترشد لنظريات السعادة أو مدربو الذات مجرد غبار أم حقيقة؟ أقول لك: لا ذا، ولا ذاك. هم يتكلمون في صفة العموم، وصفة العموم دليل الإرشاد العام، وليس مفصلا خاصا لأي شخص. السعادة معروفة بدقة عند الأطباء النفسيين. لأنها مؤشرات وحركات وتوصيلات واستقبالات وكهربائيات وكيميائيات في المحرك العصبي الكبير الذي ينطلق من الدماغ البشري. كثير من أمراض الذهان والكآبة يعرف المتخصصون كل جزء من الدماغ كيف يعمل من خلال ما تجمع خلال القرون من دراسة الدماغ والتطبيق. فالطبيب النفسي يحتاج إلى تشخيص فيزيائي ليصف علاجا كيميائيا ليوازن هرمونات وانتظام عمل الجزء المطلوب من الدماغ.
على أننا، حفظك الله، لا نصل لحالة العلاج الطبي العصبي- الدماغي إلا بتحول الحزن مثلا إلى كآبة عميقة فيصبح مرضا لا ظاهرة. هناك مرضى مصابون بالكآبة المزمنة ويعالجون بأدوية معروفة فيتحسنون حسب كل حالة. وهنا طبعا لا ينفع كتاب ولا نظرية ولا مدرب.
جميل أن تقرئي الكتب في هذا الموضوع وأن تسترشدي بالمدربين المتمكنين. ولكن.. يجب أن تعرفي أنك قبطانة طائرتك، مهم جدا. فنظرية الطيران العام يشرحها الكتب والمدربون، ولكن طائرتك الخاصة لها نظامها الخاص في التحليق والثبات والهبوط الآمن.
هناك فسلفة تسمى الرواقية من أيام أثينا القديمة، وأبرز معلميها "إبكتيتوس" وهو من علم طلابه أن السعادة شأن شخصي داخلي نواجه به الظروف الصعبة. ولتعرفي أن أبكتيتوس هذا عاش عبدا يجلد كل يوم من مالكه حتى لما حرره سيدٌ متنور، تلقى احتقار وضرب الناس، ولكنه أصر على أن يعيش سعيدا، ويموت سعيدا. ووصلت دروسه عبر القرون إلى فلاسفة عصريين مثل توماس جيفرسون وسالينجر.
القصد.. أن بيدك يا سعاد أن تجدي السعادة بداخلك. ولا تنقطعي عن هذه الكتب فهي ليست غبارا وليست ذهبا، ولكنها تبهج ولا تحزن، وإن لم تنفع لا تضر. وأتمنى لك السعادة على الدوام.
- ملاحظة فقط: ربما صديقتك حصة تغبطك على أنك تتقنين ثلاث لغات!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي