رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تجزئة سوق العمل سبب رئيس للبطالة

تجزئة سوق العمل تعني وجود سوق عمل مجزأ إلى جزأين أو أكثر، لكل جزء ظروف سوقية (أجور وساعات عمل وأمان وظيفي ...إلخ)، تتفاوت فيما بينها تفاوتا جوهريا دون مبرر. وتستند التجزئة إلى أساس قطاعي أو جنسي أو عرقي أو إقليمي أو ديني ونحو ذلك. من أوضح أمثلة تجزئة سوق العمل في بلادنا وجود قطاع حكومي بظروف سوقية تختلف اختلافا بيِّنا عن ظروف سوق العمل في القطاعات الأخرى غير الحكومية.
التحليل الاقتصادي لسوق العمل يبين أن تجرئة سوق العمل تضر بالاقتصاد كثيرا، فهي على سبيل المثال توجد أو تعمق مشكلات اقتصادية هيكلية تأثيرها بعيد المدى في اكتساب المهارات والإنتاجية والتوظيف (وعكسها البطالة) وتوزيع الموارد وعدالة الفرص. ونظرا لهذه الأضرار فإن دولا كثيرة تسن تشريعات للحد منها.
سوق العمل السعودية تعاني تجزئة واسعة النطاق بين القطاعين الحكومي والخاص، ولهذا فإن استراتيجيات وسياسات سوق العمل لن تنجح النجاح المؤمل، في ظل هذه التجزئة التي تتضمن وجود تضارب بين تلك السياسات.
زاد من تجزئة سوق العمل ميزات إضافية لموظفي الحكومة لا يحصل عليها موظفو القطاع الخاص. على سبيل المثال، زيدت قبل سنوات الإجازة السنوية لموظفي الحكومة إلى 35 يوما وبقيت ما يسمى بالاضطرارية، لكنها خفضت إلى خمسة. كما سمح للموظف (الحكومي) بالتغيب للمشاركة في أعمال الإغاثة أو أعمال الدفاع المدني براتب كامل مدة لا تزيد عن (45) يوما في السنة، كما سمح له بالتغيب براتب كامل المدد التي تحدد لاشتراكه في مختلف أنواع النشاط الرياضي والثقافي والاجتماعي على ألا تتجاوز مدة الغياب (30) يوما داخل المملكة و(60) يوما خارجها.
الإجازة الاضطرارية المدفوعة الأجر وتلك الاستثناءات غير موجودة في نظام العمل. وكونها غير موجودة يسهم في تنفير السعوديين من العمل في القطاع الخاص، باستنثاء الشركات الكبرى, ولو وجدت ستزيد من تكلفة توظيف السعوديين في القطاع الخاص وتحفز أكثر على توظيف غير السعوديين.
يبدو لي أن القرارات فيما يخص سوق العمل لا تعطي اعتبارا كافيا لآثار تجزئة سوق العمل في السعودة وفي أداء الموظف أو العامل، وخاصة على المدى البعيد، ويعزز ذلك - كما يظهر لي- أن قرارات الخدمة المدنية (أعني الموجهة لموظفي الحكومة) ترتكز على الاعتبارات القانونية، دون اهتمام قوي بالاعتبارات التي يبينها التحليل الاقتصادي أو النقاش الإداري لسوق العمل. وهذا ليس بغريب في ظل اكتفاء أو غلبة للنظرة القانونية داخل أجهزة الخدمة المدنية الحكومية، ويدعم ذلك أن عبارة "سوق العمل" عبارة غير مألوفة داخل تلك الأجهزة.
الاستثناءات والتسهيلات في الإجازات وساعات الدوام في قوانين الخدمة المدنية الحكومية تساعد على ترسيخ اعتقاد لدى عامة الناس بأن أجر أو راتب الوظيفة الحكومية ليس كله مقابل أداء عمل، ولعل القراء يوافقونني في أن هناك ثقافة راسخة الانتشار بين فئات المواطنين تتلخص في أن قدرا من الراتب الحكومي لدى كثير من العاملين في الحكومة ينظر إليه كما لو أنه حق بغض النظر عن الأداء، وهذا بحد ذاته مؤثر في تفكير أكثرية الناس بما يجعلهم يتكالبون على الوظيفة الحكومية بكل وسيلة، بالمقابل يتهربون عن العمل في القطاع الخاص قدر ما يمكنهم التهرب. وحتى لا يساء الفهم فمؤكد أن هناك أسبابا أخرى لضعف العلاقة بين أجر الوظيفة الحكومية والأداء مثل الفساد الإداري، والتساهل في أوجه صرف دون وجه حق أو مقابل أداء. ويبدو أن هذه الأسباب يشد بعضها أزر بعض في استمرار اختلال سوق العمل، بما يشبه الحلقة المفرغة.
من وسائل تخفيف المشكلة خفض أو تقليل (زيادة على ما فعل) فروقات ظروف وساعات العمل والإجازات، بين القطاعين. ومن الوسائل فصل الرعاية عن الأجر، وتقنين إجازة غير مدفوعة الأجر في كلا القطاعين الحكومي والخاص، لكل من يرغب في التغيب لسبب مقبول، لكنه لا يملك رصيد إجازات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي