رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مسألة الزكاة .. والمكلف شرعا والشركات

كنت وما زلت أقول إن الطريقة التي تتعامل بها مصلحة الزكاة والدخل مع موضوع الزكاة تحتاج إلى إعادة نظر، نحتاج إلى فتح حوار واسع شامل حول هذه المسألة، وهي مسألة مهمة جدا، فهي تمس الركن الثالث من أركان الإسلام، ولهذا يجب أن نتجاوز المرحلة السابقة عندما أنشئت فيها مصلحة الزكاة والدخل وما ترتب عليها من أنظمة. فلقد ظهرت اليوم مفاهيم عديدة، وهناك معايير محاسبية خاصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهناك قيود قانونية على التمويل، وهناك أيضا قواعد بيانات للقوائم المالية التي لا يستطيع المراجع أو الشركة التلاعب في القوائم المالية، واليوم والمملكة تسعى بجد إلى جذب الاستثمارات العالمية وإلى دخول الشركاء الأجانب في تجارة التجزئة، وهذا حتما سيترتب عليه كثير من الاتفاقيات الجديدة بين الوكلاء المحليين والشركات المنتجة. فالمشكلة التي أراها أن مسألة جباية الزكاة كانت تقوم وما زالت قائمة على أساس أنه لا فرق بين الشركة وملاكها، وفرضية أخرى لا تقل خطورة وهي أن المكلفين يتهربون من الزكاة ولا يريدون دفعها طوعا. هاتان الفرضيتان خطيرتان جدا، فالأولى تفترض أن الشركة وملاكها شيء واحد، وعليه فإن ما يتم حصره من أملاك في الشركة ستقوم الشركة (أو ملاكها) بالسداد، وهنا لب المشكلة. لا تهتم مصلحة الزكاة بمن سدد بقدر أنه قد تم السداد. هنا أطالب بالوقوف كثيرا أمام هذه المعضلة الإجرائية الكبرى التي لا تلتفت إليها المصلحة، بل تعدت ذلك إلى إيقاف خدمات المكلفين (كأفراد) أو (كشركات) إذا لم يتم التسديد، وذلك على حسب نوع الملف.
وبشكل أكثر وضوحا، لنفترض شركة مختلطة (بأي نوع من الشركات) تم تحديد الزكاة فيها بمبلغ مليون ريال، لم تقم الشركة بالسداد فيتم إيقاف خدمات الشركة. والسؤال الآن: هل المكلف (شرعا) هو الشركة أم الفرد المسلم؟ والسبب في السؤال هو: ما علاقة الشركة بالفرد؟ ولماذا تقف خدماتها؟ وقد يكون هناك شركاء غير مسلمين في كثير من الحالات، وستتزايد هذه الحالة مستقبلا. لعل أهم مبدأ تعلمناه منذ أول يوم في مقاعد الدراسة في أقسام المحاسبة هو الفصل بين المالك ومؤسسته، وعلى هذا الأساس تم بناء القوائم المالية، فلماذا تأخذ مصلحة الزكاة بالقوائم المالية وتدع أسسها؟ وكيف تأخذ ببعض الكتاب وتترك بعضه؟
قد تبدو المسألة بسيطة ولا تحتاج إلى مقال، لكنها غير هذا، فالزكاة فرض على مكلف مسلم، وهي عبادة بين العبد وربه، ودور الدولة هو الجباية والتوزيع على المستحقين، وأيضا البحث عن أولئك الممتنعين عن دفعها و(استتابتهم)، فإذا لم يقم أحدهم بالسداد فليست مسألة تهرب فقط، بل هي مسألة عبادة، ويجب أن يتم سؤاله عن السبب وإحالته إلى "القضاء" فورا وليس إيقاف خدماته، ذلك أنه إن دفعها وهو غير موقن بها فلا معنى لكل ما تفعله المصلحة. ثم لماذا يرفض مسلم ابتداء أن يدفع الزكاة وهو مكلف بها؟ وأن يدفعها للدولة وهي المخولة شرعا بالجباية؟ هل هذه مسألة فيها نظر؟ يجب ألا تعامل الزكاة معاملة الضريبة والتهرب منها، واعتبارها مجرد دين للدولة، ولذلك يجب أن يتم إيقاف خدمات المتهرب حتى يدفع، لأن في هذا خلط الحابل بالنابل، ويقودنا إلى سؤال أكثر تعقيدا، ما علاقة أولئك غير المكلفين "شرعا" بشأن ذلك المكلف المسلم الذي امتنع؟ بمعنى لماذا على الشركاء في شركة مختلطة يدفعون الضريبة أن يتورطوا مع شريك مسلم لا يريد دفع الزكاة؟ إن هذا يشبه كثيرا سجن عامل مسيحي في محل، لأن العامل الآخر المسلم لا يؤدي الصلاة جماعة، فهل يصح ذلك؟
لا تظهر المشكلة هنا فقط، بل المسألة أكثر التباسا عندما تقرر الشركات المختلطة ألا تدفع الزكاة على أساس أنها تدفع الضريبة وتطلب من الشريك السعودي أن يدفع الزكاة من أمواله الخاصة، والسؤال الآن: هل مثل هذا الإجراء يغير من قيمة رأسمال الشركة؟ لا شك أن الشريك الأجنبي استفاد من قيام الشريك السعودي بالسداد، حيث مكنه من الاستمرار في العمل، ومحاسبيا فإنه إذا كان ما يدفعه الشريك نيابة عن الشركة فهو إما دين أو زيادة في رأس المال، وفي مقابل كل هذا هناك نصوص نظامية تشير إلى عدم جواز تعديل رأس المال، ولا يجوز أن تكون الزكاة دينا على الشركة، لأنها على الشريك المكلف، فكيف تعالجها الشركة محاسبيا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي