رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عزيزتي «تداول»

أسعد الله صباحك عزيزتي "تداول"، ها أنا أكتب لك رسالتي هذه بعد أن نما إلى علمي إطلاقكم حملة ترويجية لسوق الأسهم السعودية موجهة إلى المراكز المالية الدولية، بهدف دعوة الأجانب إلى الدخول إلى سوق الأسهم السعودية. على ما يبدو أنكِ لجأتِ لهذه الحملة نظرا لفشل برنامج السماح للمستثمرين الأجانب الذي أٌطلق منتصف هذا العام في تحقيق أهدافه. بحسب آخر تقرير، فإن كمية شراء الأجانب "الجدد" خلال الأسبوع الماضي تمثل أقل من 4 في المائة من كمية شراء الأجانب بشكل عام. وعند النظر إلى اتفاقيات المبادلة القائمة منذ عام 2008، وهي طريقة ملتوية لدخول المستثمر الأجنبي غير المقيم إلى سوق الأسهم السعودية، نجد أن المستثمر الأجنبي يفضلها على طريقة الدخول الجديدة، حيث تم من خلالها الأسبوع الماضي شراء ما مجموعه 313 مليون ريال، بينما الأجانب "الجدد" اشتروا فقط بـ 26 مليون ريال. أما الملكية التراكمية للأجانب الجدد فهي في حدود 850 مليون ريال فقط، على الرغم من اشتراطكم خمسة مليارات دولار كحجم أصول لمن يحظى بالفوز بحق الدخول إلى السوق السعودية! لم يأت الأجانب مع الأسف عزيزتي "تداول".
عزيزتي "تداول"، المستثمر الأجنبي لا يحتاج إلى ترويج ولا تثقيف ولا توعية، فهو يعلم مكامن الفرص ويعرف أين يستثمر ومتى يستثمر، وهو سبق أن اطلع على ضوابط الاستثمار الأجنبي التي أطلقتها الهيئة، واتضح له أنها غير مشجعة على الدخول. لماذا إذا بدلا من تعديل الضوابط وجعلها جاذبة للمستثمر الأجنبي، تعتقدين عزيزتي "تداول" أن المشكلة أن المستثمر الأجنبي لا يعرف شيئا عن السوق السعودية، وبذلك فهو يحتاج إلى توعية وتعريف وتثقيف؟
كتبت العام الماضي أن آلية دخول المستثمر الأجنبي الجديدة تختلف عن اتفاقيات المتبادلة القديمة اختلافا طفيفا، وهي أن العائق أمام المستثمر الأجنبي الفرد في اتفاقيات المتبادلة وجود وسيط سعودي "تسجل الأسهم باسمه"، بينما في الطريقة الجديدة، العائق هو وجود وسيط أجنبي "تسجل الأسهم باسمه". فعلى أي أساس تعتقدين أن المستثمر الأجنبي سيفضل وسيطا أجنبيا على وسيط سعودي، خصوصا أن تكلفة الوسيط الأجنبي أعلى من تكلفة الوسيط السعودي؟ كيف لا وشروط الهيئة تتطلب منه أن يدير أصولا قيمتها تتجاوز 18 مليار ريال؟ وللحصول على حق الاستثمار في السوق السعودية عليه التسلح بكتيبة من المحامين والمحاسبين وقراءة شروط الدخول بعناية فائقة، ثم عليه الإفصاح عن مركزه المالي بدقة، وعليه تزويد الهيئة بسيرة كاملة لجميع عملائه الذين سيدخلون إلى السوق السعودية عن طريقه. ومن ثم عليه التوجه إلى شخص آخر مرخص من الهيئة لمراجعة أوراقه واستكمالها قبل التقدم إلى الهيئة، في وضع شبيه بأكشاك نماذج مراجعة الجوازات وملفات العلاقي الخضراء، التي لحسن الحظ بدأت تختفي أخيرا.
ثم عزيزتي "تداول" هل تعتقدين أن المستثمر الأجنبي سينظر إلى المادة الثالثة من ضوابط دخول الأجانب بعين الرضا والاستحسان، وهي التي تقول إن للهيئة الحق في استثناء المؤسسة الأجنبية المتقدمة من أي من هذه الشروط أو جميعها؟ كيف لمؤسسة أجنبية أن تدخل في دوامة القبول هذه وهي تعلم أنه ربما هناك مؤسسة أجنبية أخرى لم تطبق عليها أي من هذه الشروط؟ المستثمر الأجنبي، عزيزتي "تداول" يؤمن بالشفافية والوضوح والعدالة وتكافؤ شروط الدخول وتعميمها على الجميع، ويكره التمييز والمحاباة والواسطات. إن كانت هناك فئة من المؤسسات الأجنبية ترى الهيئة إمكانية دخولهم دون شروط، فلتحدد هذه الجهات وتفصح عن خصائصها التي تميزها عن غيرها.
من يقرأ شروط الدخول إلى سوقنا، فسيلحظ على الفور أنها أشبه بعقود الإذعان، وعليه الانتباه إلى ألا يدلي بأي معلومة خاطئة أو ناقصة أو قديمة، وإن قرر القبول بها فقد يعرض نفسه إلىبعض الصعوبات، وعليه على الفور ـــ بحسب الضوابط ــــ الرجوع إلى أكشاك نماذج الخدمة في حال حدث تغير في أي من هذه المعلومات. كما أن عليه الموافقة على قيام هذه الأكشاك بالإفصاح عن جميع ما يقدمه من معلومات، ليس فقط للهيئة، بل حتى لأي جهة حكومية "معنية"!
عزيزتي "تداول"، ألا تعتقدين أن هناك لبسا في مسألة الجهة المعرضة للمخاطرة؟ يبدو من قراءة الشروط والضوابط أنكم تعتقدون أن السوق المالية السعودية هي التي في خطر من الأجنبي، وليس العكس! أليس المفترض أن الضرر المحتمل سيقع بشكل أكبر على رأس المستثمر الأجنبي الذي يخاطر برأسماله عند الدخول في سوق الأسهم؟ لماذا إذا نمطره بوابل من الشروط والمتطلبات وكأنه هو من يتوسل الدخول إلى سوقنا؟ ألم يتبين لك عزيزتي "تداول" أن جفاء المستثمر الأجنبي لسوقنا دليل على أن المعادلة مقلوبة؟
ثم لنفرض أن المؤسسة الأجنبية وعملاءها قبلوا بعقود الإذعان هذه، كيف لهم أن يتعاملوا مع ضوابط التداول وهيكلية السوق وتوافر المعلومات التي تتمتع بها سوقنا، وهم قد اعتادوا على أسواق متقدمة ومختلفة تماما؟ كيف ستشرحون لهم عندما تقابلوهم في نيويورك ولندن وسنغافورة أن وحدة تغير أسعار الأسهم في سوقنا تعود إلى العصور القديمة للبورصات، حيث عليهم التعامل بوحدات تم انتقاؤها بطريقة عشوائية، خمس هللات للأسهم التي سعرها أقل من 25 ريالا وعشر هللات للأسهم حتى 50 ريالا، ثم 25 هللة للأسهم ما فوق 50 ريالا؟ بماذا ستعللون سبب وضع هذه الوحدات المخلة، بدلا من هللة واحدة كما هو معمول به في جميع البورصات؟
كيف ستشرحين يا عزيزتي "تداول" كيف استطاع 64 صندوقا من إجمالي 72 صندوقا محليا العام الماضي التغلب على مؤشر الأسهم السعودية، بتحد صارخ لمفهوم كفاءة الأسواق المالية، لدرجة أن 20 من هذه الصناديق حققت عوائد تتجاوز 20 في المائة بفارق شاسع عن عائد المؤشر العام للأسهم (سالب 2.4 في المائة)؟ هل ستقولين لهم إن مديري الصناديق لدينا يتمتعون بذكاء خارق لم يصل إليه أي من مديري الصناديق حول العالم؟ هل سيصدقون أنهم سيحققون هذه العوائد ذاتها عندما يدخلون إلى سوقنا، أم سيتساءلون عن احتمالية وجود ثغرات خطيرة في السوق؟
كيف ستشرحين لهم عدم تضمين إعلان النتائج الفصلية لأهم بند في القوائم المالية، ألا وهو بند المبيعات؟ لا سيما أن المستثمر الأجنبي يعلم أنه من الممكن التلاعب بأرقام الأرباح بسهولة وبطرق عديدة، بينما التلاعب بأرقام المبيعات صعب للغاية؟
عزيزتي "تداول" أتمنى لك سفرا سعيدا ورحلات شيقة وماتعة على أمل أن تعودي بسلامة الله إلينا غانمة سالمة، وأن تتحاوري مع هيئة السوق المالية حول فكرة دخول المستثمر الأجنبي وضوابط دخوله بشيء من المنطق والحكمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي