رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التطبيب وما أدراك ما التطبيب

لا يكاد يخلو يوم واحد دون وصول مقطع فيديو يكتشف فيه أحد "العامة" علاجا لمرض عضال، فمرة يكتشف علاجا للسرطان، ومرة علاجا للنقرس، ومرة علاجا لعرق النساء، ومرة علاجا للربو، وهناك من يعالج "الكحة" والربو بالمسح على اليد فقط، دون عناء شراء أدوية أو الذهاب إلى المؤسسات الصحية. وإذا لم تصلك هذه المقاطع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فستراها مما يصيبك بالتخمة في واحدة أو أكثر من القنوات الفضائية، لا تقلق، ابحث في القنوات الفضائية وستجد مختصين في مجالات بعيدة عن الطب، يكتشفون ما بك من أمراض وعلل، من خلال أحلامك التي تراها في منامك فقط، موفرا عليك عناء الذهاب لإجراء الفحوصات والأشعة والتصوير الطبي!
ولا تقتصر الاكتشافات المذهلة على "العامة"، بل بعض الأطباء يعلنون - دون تردد ودون الحصول على اعتمادات علمية من قبل المؤسسة المعنية - توصلهم إلى اكتشافات تساعد على علاج بعض الأمراض المستعصية. فعلى سبيل المثال، وصلتي رسائل متعددة عن طبيب في الأردن اكتشف علاجا ناجعا للسرطان يقضي على المرض خلال 11 يوما فقط، إذ يمكنك الحصول عليه من خلال الاتصال بالهاتف الموضح في رسائل التواصل الاجتماعي، التي تنتشر كالنار في الهشيم موفرة على الطبيب تكاليف الإعلان الباهظة. وفي عام 2011 – على سبيل المثال - ظهر في الإعلام الرقمي خبر (بالنص): "أظهرت دراسة علمية أردنية نتائج مذهلة لمجموعة من المركبات الكيميائية من ناحية انتقائيتها في قتل سبعة أنواع خلايا سرطانية (الجلد، القولون، والثدي) بفعالية عالية جدا وخلال فترة قصيرة (48 ساعة) ودون أي تأثير في الخلايا السليمة". رائع هذا الخبر، ولكن أين نتائجه؟! ووصلني ذات مرة خبر عن إنشاء "مراكز لعلاج السرطان السريع في خلال شهر"، وذلك بواسطة عقار "الرحمة"، ولكن لم نرَ بعد ذلك شيئا! فهل من المعقول أن تكون المؤسسات الرسمية المسؤولة عن اعتماد وتسجيل الاكتشافات الطبية في بلادنا العربية متواطئة مع شركات الأدوية العالمية لتعمل على إخفاء كل هذه الاكتشافات كما يدعي البعض؟!
للحقيقة، لا ينتشر هذا التلاعب بعواطف المرضى في الدول العربية فقط، بل يوجد – أيضا – في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، ولكن الفرق أن صرف العلاج وتطبيب الناس يبدأ في دولنا العربية دون اعتماد من جهات متخصصة، خلافا لما هو جار في الدول المتقدمة، إذ يتطلب استخدام الدواء أو العلاج سلسلة من الإجراءات والتجارب والاختبارات التي قد تستغرق شهورا بل سنوات للتأكد من فائدته وعدم وجود أضرار جانبية كبيرة! وفي المقابل يمنع بيع أو ترويج أي أدوية دون اعتماد من الجهات المسؤولة، خاصة (FDA).
لا يقف الأمر عند التطبيب، بل هناك من يكتشف أضرار المشروبات والمأكولات، فمرة رأيت مقطعا لأحد الإخوة يغرق العقرب في مشروب "البيبسي" ليثبت ضرره على الصحة، وكأن الناس لا يعرفون مكوناته أو أضراره! وهناك من يصف الفوائد الصحية لبعض الفواكه والخضراوات ويبالغ في مكوناتها وفوائدها، بحيث إن أحدهم يصف نوعا من الفواكه علاجا لسبعين مرضا. لا أعترض على وجود فوائد صحية لكثير من الخضار والفواكه، ولا أعتراض على الطب البديل والتداوي بالأعشاب، فأنا أستخدم بعض الأعشاب لعلاج بعض الوعكات الصحية الطارئة، كما تعلمناها من أجدادنا وجداتنا – عليهم رحمة الله - لكن الحيرة أصابت الناس من كثرة المبالغة، وكثرة من يتحدث عن فوائدها دون تخصص أو خبرة أو ممارسة كافية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يقوم الناس بتصوير أنفسهم في مقاطع "فيديو" والإعلان عن اكتشافاتهم دون تمحيص أو تدقيق أو اعتماد من جهات متخصصة؟ هل هو بسبب الرغبة في الظهور والبروز أم أنه بسبب فشل المؤسسات الطبية لتوفير العلاج الناجع؟ أم أنه بسبب غلاء الخدمات الطبية أو صعوبة الوصول إليها، الأمر الذي أدى إلى إيجاد طرق بديلة كالطب البديل؟! أم أن هناك اتجاها قويا في المجتمع للتحول إلى الطب البديل والتداوي بالأعشاب؟! أم أنه يعود إلى عدم قيام الجهات الرقابية كهيئة الغذاء والدواء بواجبها تجاه المجتمع، من حيث التوعية بأضرار بعض المواد الغذائية وإيقاف تداول بعض المستحضرات والأدوية؟ لا أدري! ولكن الذي أعرفه أن "الكيل" قد طفح، وأن جرأة بعض الناس قد بلغت حدا غير مقبول!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي