بداية النهاية في سورية
في حين تتضارب الآراء في المنطقة حول مستقبل سورية، يدفع الشعب السوري حياته ثمنا غاليا من الموت والدمار والبراميل المتفجرة. وتأتي الحلول بعد كل ما شهدته المنطقة من صراعات وحروب وتأجيج طائفي وتجاذب إقليمي ودولي. تتجه الأنظار اليوم الجمعة نحو فيينا، حيث ينعقد اجتماع دولي موسع مخصص لمناقشة سبل تسوية الأزمة السورية، تشارك فيه عشر دول معنية بالنزاع السوري. يشكل الاجتماع اختبارا لجدية روسيا وإيران في التوصل إلى حل سياسي، وفق ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. الاجتماع الرباعي الأول بالأمس جمع كلا من السعودية وروسيا وأمريكا وتركيا لتنسيق الموقف، والثاني اليوم الجمعة بعناصر إضافية منها إيران ومصر ولبنان والعراق. وقد استبقت فرنسا وحلفاء غربيون وإقليميون هذا الاجتماع بموقف موحد طالب بضرورة وضع جدول زمني محدد لمغادرة بشار الأسد الحكم في إطار أي اتفاق على مرحلة انتقالية في سورية.
الحل العسكري يكون فرضا إذا انتفت الحلول السياسية. لكن الحل السياسي يكون فرضا أيضا إذا لم يجد الحل العسكري نهاية للدوامة. وقد انتهى زمن الحروب الطويلة. وهذا ربما ما تفطن إليه روسيا جيدا. وفي سورية لا نصر ولا هزيمة مع مئات الآلاف من القتلى السوريين والمهجرين. إلا أن مغادرة الأسد نفسه هي الحل السياسي الأكيد، فليس المعارضون وحدهم من يطلبون رحيل الأسد، فالموالون للنظام السوري في الداخل والخارج بدأوا في التململ أيضا، والروس فيما يبدو، بخلاف إيران، يبحثون عن أفضل عرض للتخلي عن الأسد، بصفته كرتا للمناورة والربح وضمان بديل حليف في الفترة المقبلة. روسيا حجمت دور إيران، ويأتي ذلك واضحا بعد أن فشلت إيران في إنقاذ النظام السوري وفشل مشروعها في اليمن. أما طرح وزير الخارجية الروسي مسألة الانتخابات النيابية والرئاسية فيبدي بوضوح الخلاف على الأولويات بين الكرملين ونظام الأسد. شق الاختلاف بدا واضحا بعد استدعاء الأسد وحده في طائرة عسكرية إلى موسكو. ويبدو أن ما تسعى إليه روسيا من مناورة واضحة للحل السياسي فاجأ سورية وإيران، ولا سيما بعد حرب برية قصيرة، إضافة إلى ثلاثة أسابيع فقط من الحرب الجوية. في حين أن الأسد يريد حربا مستمرة تضمن بقاء المظلة الروسية والإيرانية إلى جانبه!
اجتماع فيينا أشبه بطاولة لجرد حسابات الربح والخسارة، وهي فرصة لتضييق الفجوة بين الآراء حول الأسد. إنهاء الحرب السورية مهمة شاقة، والمسار السياسي بالغ التعقيد، ويواجه تسويات صعبة. وطاولة الحلول جمعت الفرقاء ومن بينهم صناع المشاكل أنفسهم. والسعودية تختبر نوايا الروس والإيرانيين وجدية السعي نحو الحل، و"التأكد بشكل واضح من أن الأسد سيرحل"، بحسب تعبير عادل الجبير. ومع أن التوقعات ليست كبيرة في شأن إمكان تجاوز الخلافات على سورية بهذه السرعة، إلا أن اجتماع فيينا بحد بذاته قد يقود في المقابل إلى حل وسط وتاريخي. لكن ذلك يحتاج إلى قوة تنفيذية للقرار النهائي، قوة تنفيذية تعلق الجرس.