رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التسويق ما زال مصطلحا غامضا «3»

تطرقت في سلسلة مقالات سابقة إلى مفهوم التسويق وذكرت أنه ما زال مصطلحا غامضا رغم توسع أنشطته وزيادة وظائفه. فقد توسعت وظيفة التسويق هذه الأيام حتى تضخمت وترهلت واستولت على كثير من الوظائف والإدارات التي كانت من قبل إدارات منفصلة كالمبيعات، والإعلان، وبحوث التسويق. وحتى تتضح لنا هذه الوظيفة أكثر نحتاج إلى دراسة نشأة علم التسويق وهذا يتطلب منا العودة إلى الوراء لمعرفة نقطة التقاء الإنتاج مع التسويق الذي سيساعدنا على تصنيف مراحل تطور علم التسويق وكيف يختلف عن الوظائف الأخرى القريبة منه كالبيع والإعلان.
كان الإنتاج أهم وظيفة في المنظمة لأن الاهتمام كان منصبا على المنظمات وطريقتها في تعظيم الأرباح ولم يكن للمستهلك أي اهتمام في تلك الحقبة لأن المنتجات والسلع كانتا محدودتين للغاية فما ينتج يباع.
بعد ذلك بدأت وظيفة الإنتاج في الاضمحلال تدريجيا وظهرت فيوظيفة البيع ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا نتيجة الميكنة وتطور وسائل الإنتاج وأنظمته فتطورت قليلا وظيفة التسويق نتيجة الرغبة في تصريف المنتجات وفي هذه المرحلة أصبحت وظيفة التسويق (كان يطلق عليها البيع) تعادل وظيفة الإنتاج تماما. ومع الثورة الصناعية التي صاحبها ظهور بعض المصطلحات مثل فائض الإنتاج وما يعرف بالإنتاج الكبير التي أضحت صفة لفترات الركود بدأ المنتجون يفكرون في كيفية حث الناس على الشراء عندها ظهرت فكرة التسويق ولو أنها لم تمارس بشكل كامل كما نعهدها اليوم.
استمرت أهمية البيع نتيجة الحاجة إلى تصريف المنتجات وأصبح أكثر أهمية من الإنتاج والتصنيع ثم دخلت بعض الأدوات مثل الإعلان وبحوث التسويق وأطلق على هذه المهام مجتمعة (البيع، الإعلان، بحوث التسويق) التسويق ولو أن الأمر ما زال أقرب ما يكون إلى كونه بيعا فوظائف التسويق لم تظهر هنا بالكامل. ومع التحول من الاهتمام بالمنتج إلى الاهتمام المبالغ فيه بالمستهلك ظهرت وظائف التسويق الأخرى. وهنا اكتملت مهام التسويق وبدأت الأبحاث والمركز البحثية وقطاعات الأعمال تفرق بين التسويق والبيع وبين التسويق والإعلان.
ورغم كثرة الأدبيات التي تكلمت عن مراحل تطور التسويق إلا أن أفضلها فيما أرى ما بينه أبو نبعة (2004) في مؤلفه "كيف ترفع إنتاجية موظفيك و تزيد الربحية؟". و رغم أن عنوان الكتاب لا يعكس ما بداخله إلا أنني أرى أنه أفضل مرجع عربي كتب عن تطور علم التسويق.
ولكي يبسط أبونبعة (2004) الفكرة قام بالمقارنة بين تطور علم الفلك وتطور علم التسويق. فذكر أنه في القرن السادس عشر كان علماء الفلك يجدون صعوبة في تحديد تحركات الأجرام السماوية وقد ساعدتهم حساباتهم على تقدير مواقع الكواكب بشكل تقريبي، إلا أن تلك الحسابات لم تكن دائما دقيقة فهناك اختلافات تحدث باستمرار، حتى جاء العالم البولندي "نيقولاس" و اقترح جوابا بسيطا لهذه المسألة. افترض "نيقولاس" أن الشمس وليس الأرض هي مركز نظامنا الكوني، وأن الأرض تسير حول الشمس وليس العكس. وقد أثار هذا الاقتراح عاصفة من الجدل لأن الجميع كانوا يعتقدون أن الأرض هي مركز الكون وليس غيرها، وقد ظلت كفرضية حتى قام "جاليليو" بوضعها موضع الاختبار وبرهن صحتها، وقد أحدثت هذه النتيجة انقلابا فلسفيا في الفكر العلمي.
وبالطريقة نفسها حدثت ثورة التسويق، فلم تعد الشركة هي مركز عالم الأعمال كما كان يعتقد بل "المستهلك" فانتقل الاهتمام من مشاكل الإنتاج إلى مشاكل التسويق، ومن السلع التي يمكننا صنعها إلى السلع التي يرغبها المستهلك، ومن المصنع الذي ينتج إلى السوق الذي يعرض. وقد بدأت ثورة التسويق بنفس ثورة علم الفلك وسوف تستمر في النمو ما دامت النظرية حولها قد دُرست واختبرت وبرهنت، نحتاج فقط إلى المزيد من التطبيقات حتى يصبح الاقتصاد حقيقة موجها نحو السوق.
وهنا نحتاج إلى تصنيف المراحل التي مر بها التسويق منذ ظهوره كفكرة مرورا بوظيفة البيع حتى أصبح علما له رموزه ونظرياته وتطبيقاته. صنفت أدبيات التسويق المراحل التي مر بها التسويق إلى خمس مراحل رئيسة يمكن إيجازها فيما يلي:
المرحلة الأولى مرحلة التوجه نحو الإنتاج وقد بدأت قبل الثورة الصناعية حيث كان الطلب على السلع يزيد على ما يعرض منها لأن الحرفي مهما كان ماهرا فإن إنتاجه لا يزال محدودا. المرحلة الثانية مرحلة التوجه نحو البيع وقد بدأت هذه المرحلة بعد الثورة الصناعية عندما أصبح بإمكان المصانع أن تنتج في دقائق ما ينتجه الحرفي في أيام، و بذا زاد الإنتاج على الطلب وامتلأت المخازن وأصبح من الضروري إيجاد طريقة لتصريف الإنتاج فظهرت وظيفة البيع إلا أن وظيفة التسويق لم تتكون في هذه المرحلة.
المرحلة الثالثة مرحلة التوجه نحو المستهلك "المفهوم التسويقي" وظهرت هذه المرحلة عام 1950 بعد مرحلة التصنيع ”الأتوماتيكي“ عندما أصبحت المصانع تعمل بشكل أتوماتيكي فتدخل المواد الخام في المصنع لتخرج من الناحية الأخرى سلعا ومنتجات دون أن يكون للعامل دور فيها. فأصبح المصنع يتوقف عن الإنتاج حتى تصل إليه نتائج دارسات بحوث التسويق لتخبره ماذا يريد المستهلك بالضبط.
المرحلة الرابعة مرحلة ترشيد الاستهلاك "المفهوم الاجتماعي" وقد نشأ هذا المفهوم كردة فعل مباشرة للأضرار الناتجة عن استخدام بعض المنتجات التي أدت إلى تلوث البيئة وسوء استخدام المواد بشكل عام وبناء عليه أصبحت ممارسة بعض الأنشطة التسويقية غير مقبولة وبالتالي أصبحت المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية جزءاً من الممارسات التسويقية ولها أبعاد استراتيجية قد تتضمنها رؤية المنظمة ورسالتها. أما المرحلة الخامسة فيطلق عليها مرحلة التسويق الرقمي (المفهوم الإلكتروني) بسبب التطور الهائل في مجال التقنية والاتصالات وقد أدى هذا التطور إلى نشوء عدة مفاهيم متقاربة يتم عادة الخلط بينها وهي: التجارة الإلكترونية، والتسويق الإلكتروني، والتسوق الإلكتروني وموضوع كهذا يحتاج إلى تفصيل لعلنا نناقشه في مناسبة قادمة إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي