رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


جعجعة المثقف .. وطحين الواقع

ونحن نكابد ما نكابده من فكر القتل والتطرف، تشتد الحاجة إلى المفكر الناضج الذي يقدم للمجتمع أفكارا قابلة للحياة، منسجمة مع الواقع، واستحقاقاته وشروطه.
قيمة كل فكر في واقعيته، وقيمة كل مفكر في نجاح رؤيته في تحسين حياة الناس، والصعود بهم إلى آمالهم القريبة منها والبعيدة. كثيرا ما يضل المثقف قومه بأحلام كبيرة لا يملك الواقع قدرة تحقيقها، ولا يملك شروط الاتصاف بها.
تردت غير قليل من الدول العربية في حلم الوحدة العربية، قفزت فوق واقعها، عميت عن حقيقة التباينات، سقطت في نهر لا تعرف عمقه، ولا قوة التيارات الجاذبة فيه، انجرف كثيرون خلف الشعارات الضاجة بالبطولات المشتهاة، والحروب التي لا يعي كثيرون من المتحمسين, والداعين لها حجم موازين القوى فيها، ودون معرفة بشروط النصر. ولا معرفة أسبابه الطبيعية.
وحين تردت، أردت نفوسا كثيرة إلى يأس مرير، وردة على كل حلم وأمل ورجاء وتطور في العمل العربي المشترك. لأننا في أول الأمر, وفي بداية النشأة لم نكن جاهزين لكثير من أفكارنا، وكنا لا نستحق أحلامنا، أو غير قادرين عليها، إلا أننا بعواطفنا، وانفعالنا، وحماسة الكلمات المغرية التي تجعلنا نصدق أننا أجمل من حقيقتنا، وأننا أكبر من حجمنا, وأننا أقوى مما نستطيع ونقدر عليه. ربما لأن العرب لم تزل أمة حالمة يرضي غرورها الشعر والشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون. وهم بالعادة كرماء في بذل الصفات لمن لا يستحقها ولمن لا يتصف بها. إننا أمة نصدق الكذب الذي نستمتع بنسجه وتأليفه ونظمه.
جزء من فشلنا هو في هذا الفراغ العظيم من أفكار العمل، ورؤية الحلول، نحتاج إلى ثقافة العمل، وثقافة التطبيق الحي وثقافة الإنتاج، وثقافة الفرص الحقيقية للباحثين عنها. وأن نتخلى تدريجيا عن ثقافة الزئبق الذي لا يقبض عليه من طرف ولا يمكن أن يثبت على حال.
واقعنا اليوم، لا يحتمل مزيدا من التنظير، ولا يتسع الظرف لكثير من الكلام، ولا اجترار ما هو مألوف ومعتاد اجتراره، عن طهارة تراب الوطن, وعظمة الانتماء إليه، وأمومته، وأبوته, وتعلق الحياة والموت فيه وبه.
إن الحاضر يفرض علينا أن نتعلم الحياة ونعلمها لجيل بات يتقرب إلى الله بالموت وصناعته ونشره، بتنا بحاجة حقيقية إلى أن نتعلم محبة أنفسنا، لأن كثيرا من أولادنا يكرهون أنفسهم بسببنا، وبسبب تربيتنا لهم، الجانب العملي الذي يتوجه مباشرة للتحول نحو الأفضل في كل شيء .. في قراراتنا وفي أعمالنا، وفي طريقة حياتنا.
اليوم خسرنا كل ما خسرناه بسوء اختيارنا، أو بعدم بصيرتنا بالعواقب، أو بسبب حماستنا المفرطة، أو لعجلتنا في تقدير الواقع .. ما زال بوسعنا أن نعيد ترتيب الأولويات، وما زال بوسعنا أن نعيد تكوين وعي أولادنا في محبة أنفسهم وكل من حولهم، من يتفق معهم ومن يختلف معهم، بوسعنا أن نتخلى عن كل ما يباعدنا، ويشتتنا، ويفرق شملنا، أو يجعلنا حالمين في سذاجة من لا يتعظ بغيره, ولا يتوقر من توقير التجارب له. لقد نلنا ما يكفي من الآلام لنكون أكثر بصيرة وأكثر وعيا وأعمق هدى .. إن ابتغينا إليها سبيلا. وأحسب أن ترك الكلام الفارغ من العمل والبدء في الأعمال التي تتكلم بالحلول ورفع حوائج المجتمع هو الخطوة الأولى للنجاح والقوة وصناعة مستقبل أفضل لنا جميعا..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي