عندما يكون معك العمالقة
..في قاعة رحبة في مقر نادي شركة الكهرباء السعودية وبحضور وزيرين، وزير المياه والكهرباء ووزير الإسكان، مع رئيس شركة الكهرباء، ومعاونيهم، طارت البلايين عقودا بيننا وحولنا. حزمة مشاريع بـ28 بليونا. وكلها لمشاريع إسكانية أو مشاريع تخص الخدمات الكهربائية، التي تقدم لبلد يتوسع بشكل لا مثيل له، حتى إن نمو أعمال شركة الكهرباء تعدت أكبر شركات العالم في هذا القطاع.
طيلة الوقت وعقلي كبركان يخرج من حالة الخمود؛ أمامي وحولي مسؤولون أُلقيت على أكتافهم مهمة حمل البلد.. تماما. إنهم أطالسة جدد، نسبة إلى أطلس في الأسطورة الإغريقية الذي عاقبه رئيس آلهة الأولمب "زوس" أن يحمل الأرض على كتفيه إلى الأبد. هؤلاء الرجال أمامي وحولي يضحكون ويستبشرون وهذا فأل طيب، ولكنهم أمام الحقيقة المكشوفة، وأمام الواقع الذي يجلد الآمال لا بد أنهم يعرفون ويعون ويدركون أنهم بعد الله من أسباب ثبات هذا البلد مدنيا، أو من أسباب خلله، لا قدر الله.
المسألة جادة كل الجد، إنهم مجالدون ومحاربون من طراز عصري جديد يواجهون تحديات عظمى وربما الأعظم في بلد يتزايد سكانه الصغار بصيَغٍ مضاعفة، ويتمدد كل يوم أضعافا. بلد متسع وشاسع بين البحور وفوق الجبال وفي أحضان البراري وقلوب الصحاري، ومطلوب من هؤلاء الرجال بلا عذر بلا صبر أن توصل خدمات منشآتهم لكل فرد من الملايين المتكاثرة، لكل نجع وقرية ومزرعة ومهجع ومهجر ومدينة وموانئ ومطارات ومجمعات صناعية.. كل شيء.
الإسكان ليس مزاحا، على وزير الإسكان مسؤولية حمل كامل الحاجة الإسكانية للبلاد، وهو ليس في مكان برأيي يحسد عليه. إنه وزير جديد، إنه شاب، يقود وزارة ثقيلة معاندة ومشاكسة وتخلع وزراءها كما تخلع اللعوب الملول فساتينها. يعرف وزير الإسكان أن كل عين بهذا البلد الكبير تنظر إليه لينجز شيئا، وهي تريد الإنجاز في الأمس قبل اليوم. والوزير جديد، ومطالب في الوعود القديمة، والموعودون يرون الوزارة كيانا معنويا يُساءَل مهما تخالف الوزراء. الوزير بعد أن وقع مشاريع ببلايين من الريالات مع شركة الكهرباء لتقدم خدماتها الحيوية لمشاريع وزارته الإسكانية؛ هل سيعود سعيدا فرحا، كمن صفق بيديه من غبار مشروع انتهى؟ لا أظن. وبرأيي أنه عاد وهم الإنجاز والمسؤولية يخيمان داخل رأسه، فالمهمة لم تنجز بعد.. بل لتوها بدأت. والناس تطالب ولم تعد تتحمل وعدا جديدا، ولا يمكن لومهم. ولكن هو الواقع. المشاريع وُقعت فعلا، والأكمام لملمت فوق الأذرعة للشروع بالعمل، ومن العدل أن تقوم الوزارة بمشاركة المواطن وتكشف له ما يحصل بالداخل ليكون شريكا في اللحظات والمتابعة. هذا هو الآن أقرب الحلول ليس لأزمة الإسكان، بل لأزمة إراحة الأعصاب.
كنت في شركة الكهرباء قبل توقيع العقد بيوم أجالس صديقي المهندس منصور القحطاني من نواب الرئيس الكبار وكان في الصف الأمامي عند مراسم العقد، وأناظره وهو يرد بابتسامة عريضة، وأنا أعرف أن بقلبه وعقله أشياء لما كان أمامي بمكتبه بوجه منهك وعينين حمراوين وأكاد أقول دامعتين عن توقف الكهرباء بالقريات، وكان بجانبي المهندس عايش الشمري وهو يقول كما ترى كل هذه المشاريع ستعتمد على قطاعي، إنها المواجهة. سألت المهندس منصور: "ولم كل هذا الحزن؟" قال: "حتى وأنا أعمل وأطور لا يهمني إلا شيء واحد؛ ألا تنطفئ الكهرباء على أي بيت بهذا البلد". هذا الوعي الحاضر يجب أن يكون مرفوعا للأسف كسيف إقليدس فوق كل مسؤول. إنها مسؤولية كبرى، لأن أي خلل لن تصلحه المبررات.
وبرأيي الآن ينبغي أن يشارك المقاولون المسؤولية الكبرى مع الوزارة وشركة الكهرباء وهم ينفذون أعمالهم قلبا وقالبا، وعلى الوزارة وشركة الكهرباء أن تقفا مع مقاوليهما وتفهما موظفيهما شيئا مهما، وأرجو أن يكون هو الحاصل فعلا، أن يكون مسؤولو الإشراف وراء عربة المنفذين لدعمها، ولا يكونوا أمامها لعرقلتها أو إبطائها. وأن يعرف المنفذ أن أي تعطل متعمد منه عقبة عليه أيضا ليس على الشركة قط، بل على كامل البلاد، لا مزاح!
لما قلت لأخي المهندس زياد الشيحة رئيس شركة الكهرباء: "أمامك مشاريع عملاقة، أسأل الله لك العون"، رد مشيرا إلى نوابه: "ومن لا يثق، ومعه هؤلاء العمالقة؟!".