رياض الأطفال .. استمرار الاجتهادات العشوائية

قبل سبعة أشهر تقريبا كتبت مقالا هنا عن ضرورة تطوير مرحلة "رياض الأطفال" في التعليم وإعطائها ما تستحق من اهتمام، باعتبار الوضع الحالي لرياض الأطفال لا يتوازى مع أهميتها كمرحلة تعليمية ذهبية في حياة الطفل، وهو ما يتطلب دعمها بالمتخصصات، والتوسع في إنشاء مزيد من الروضات النموذجية الجاذبة بدلا من المباني المستأجرة التي لا تحقق أي هدف في تأهيل الطفل تأهيلاً سليماً ليمارس نشاطاته واكتشاف قدراته وميوله وإمكاناته.
ومرحلة "رياض الأطفال" مرحلة تعليمية هادفة لا تقل أهمية عن المراحل التعليمية الأخرى كما أنها مرحلة تربوية متميزة، وقائمة بذاتها لها فلسفتها التربوية وأهدافها السلوكية وسيكولوجيتها التعليمية الخاصة بها، وترتكز أهداف رياض الأطفال على احترام ذاتية الأطفال وفرديتهم واستثارة تفكيرهم الإبداعي المستقل وتشجيعهم على التغير دون خوف، ورعاية الأطفال بدنياً ونفسيا وتعويدهم على العادات الصحية السليمة ومساعدتهم على المعيشة والعمل واللعب مع الآخرين وتذوق الإبداع والفن وجمال الطبيعة وتعويدهم على التضحية والعمل الجماعي.
هذه المرحلة الذهبية تعاني اليوم بطئا في النمو وضعفا في المخصصات، وعشوائية في الأداء، ولا تزال تدار من خلال اجتهادات فردية ورؤية متواضعة من قسم صغير بوزارة التعليم لا يتناسب مع ما ننشده من تطوير يليق بهذه المرحلة التي تحتضن ثروات المستقبل، ولابد لوزير التعليم أن يبادر إلى تحويل قسم "رياض الأطفال" إلى وكالة عامة تملك رؤية استراتيجية للمستقبل، ويملك وكيلها من الصلاحيات ما يجعله قادرا على نقلها إلى المسار الذي تستحق.
أما الاجتهادات العشوائية في المناهج والمقررات التي جعلت من كل روضة ومن كل معلمة لها منهجها الخاص فلابد أن تنتهي باعتماد مناهج عالمية محكمة علميا، قادرة على تلبية رغبات أطفالنا، واكتشاف ما لديهم من حماس وطاقة وذكاء، باعتبار الطفل هو المحور الأساسي في جميع أنشطتها الذاتية تنمي فيه عنصر التجريب والمحاولة والاكتشاف، وتشجعه على اللعب الحر، وترفض مبدأ الإجبار والقسر بل تركز على مبدأ المرونة والإبداع والتجديد والشمول.
أما على مستوى المعلمات فقد عانت هذه المرحلة تحويل آلاف المعلمات غير المتخصصات، واعتبارها محطة استراحة لكل معلمة لديها نفوذ فوق النظام أو لديها مشاكل في محيط مدرستها، فكان الحل بكل بساطة تحويلها لمعلمة "رياض أطفال" في الوقت الذي تمكث فيه آلاف المتخصصات في المنازل بانتظار قرار التعيين.
ونحن لا نحتاج في هذه المرحلة الحساسة مجرد موظفة تبقى وسط هؤلاء الأطفال بتضجر وانفعال حتى ينتهي دوامها، بل المعلمة المدربة المحبة لمهنتها، التي تتمكن من التعامل مع الأطفال بحب وسعة صدر وصبر وانتماء، تزرع في أطفالنا التشجيع المستمر وتنمية حب العمل، وغرس روح التعاون، والمشاركة الإيجابية، والاعتماد على النفس، وزيادة الثقة بها، وإكسابهم الكثير من المهارات اللغوية والاجتماعية التي يكتسبها أقرانهم في دول أخرى تهتم بالتعليم وتجعله مرحلة أساسية.
أما على مستوى البيئات التعليمية فحدث ولا حرج؛ فمعظم مباني رياض الأطفال قديمة ملحقة بالمدارس لا تصلح أن تكون مناسبة لهذه المرحلة، ورغم وعود وزارة التعليم بمشروع عاجل لبناء 1500 روضة وفق مواصفات نموذجية إلا أنه لم ير النور إلى الآن، ولم نشاهده على أرض الواقع، فمتى نرى مشروعا حقيقيا لهذه المرحلة يجعلنا نطمئن على مستقبل أطفالنا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي