رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ما الفرق بين اقتصاديات البترول واقتصاديات التمور؟

ظهرت في السنوات الأخيرة مصطلحات وتعابير جديدة، سنأتي في هذه العجالة على بعض منها. فنلاحظ انتشار موضوع اقتصاديات البترول، وهو عنوان جذاب، الذي أصبح يدرس في الجامعات وتعقد الندوات وتنشأ له النوادي. فماذا نقصد بهذا التعبير الحديث؟ هل هو ما يتعلق بأسواق البترول بوجه عام وما يعرض فيها من مختلف أنواع السوائل والمشتقات البترولية؟ أم هي حركة أسعار البترول حصريا في البورصات الدولية تاريخيا ومستقبلا؟ وهل يلحق بذلك الاستثمار الاقتصادي للأموال، أو بعض منها، التي نحصل عليها من دخل البترول؟ ومثالا على ذلك محاولة تنويع مصادر الدخل بالنسبة لوضعنا في الخليج؟ وما العلاقة، إن وجدت، بين مفهوم اقتصاديات البترول وسياسة الإنتاج؟ أنا شخصيا أود أن يكون لدينا أيضا اهتمام باقتصاد ما بعد البترول، وهو لا يقل أهمية.
فالتمور لدينا، على سبيل المثال، لها أيضا إنتاج كبير وأسواق موسمية تشبه البورصات وأهمية قصوى في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. وكتنوع السوائل البترولية، كذلك التمور لها أنواع لا حصر لها وكل نوع له طعمه وقيمته وطريقة جنيه وحفظه. فهلا يحق لنا أن ننشئ تخصصا نسميه اقتصاديات التمور؟ فالتمور هي ثمر النخل، وزراعة النخل في بلادنا في قمة العشوائية على الرغم من أهميتها لتنوع اقتصادنا. وهي معرضة للانقراض بسبب إهمال وباء الدودة الحمراء التي تعيث فسادا في مزارع النخيل أمام أعين الفلاحين والمسؤولين. ناهيك عن الغياب شبه الكامل لعملية انتقاء الأنواع الجيدة والمحسنة من أنواع النخيل، وعلى وجه الخصوص في المناطق العامة والشوارع خارج المزارع. وهو أمر يسير. فنحن، في دول الخليج، مقبلون على عصر قد يتميز بشح الموارد عندما نقترب من نضوب البترول الذي لم نألُ جهدا في استنزافه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. ومع الضمور المتوقع مستقبلا في دخل البترول قد نجد ضرورة للعودة إلى اعتماد التمر كجزء أساسي من مواد الغذاء لكونه متوافرا محليا.
وقبل بضعة أشهر، أثير من خلال وسائل الاتصال الإلكترونية نقاش حاد بين عدد من المتحاورين حول مصطلح "اقتصاد المعرفة". ما تعريفه، وهل تعني كلمة المعرفة شيئا من مصطلحات التقنية.؟ وهل النمو الاقتصادي أولا ثم تأتي معه المعرفة أم العكس؟ وأخذ النقاش مسارات مختلفة، منها الجاد ومنها الرغبة في المجادلة. ولكن الحوار انتهى أو توقف بما يشبه نهاية محاورة أصل البيضة والدجاجة. فلم نخرج بنتيجة ذات قيمة. ولا نزال حتى يومنا هذا نتحدث من آن لآخر عن اقتصاد المعرفة الذي لا نعرفه ولم نستطع أو نتفق على تعريفه.
وموضوع آخر شائع في مجتمعنا الذي دائما يتوق إلى التهويل من تعظيم شأن الفرد بما يحمله من شهادات عليا أو خبرة في مجال ما، يكاد يشغل البال، حول استخدام كلمة "خبير". وهو أمر نادر ما تشاهد ممارسته أو تسمع عنه في البلاد المتقدمة. فعلى سبيل المثال، كثيرا ما نسمع، عند التقديم لشخص ما، كلمة الدكتور فلان "ليس طبيبا" والمهندس فلان والمقدم فلان. ومعظم الكتاب الذين يحملون شهادة الدكتوراه يصرون على كتابة حرف الدال أمام أسمائهم في كل مناسبة. هل هو من باب التعريف بمستوى التعليم أو التباهي على الغير؟، الله أعلم. ولكن فخر الإنسان يكون بما عنده من فكر وعطاء وإبداع وتواضع، وليس بشهادة تحصل عليها من أجل مركز أو مال. وربما أننا نعطي عذرا لأساتذة الجامعات من أجل كسب احترام الطالب أو الطبيب الذي ارتبط اسم مهنته بين أفراد المجتمع بكلمة دكتور. وبالمناسبة، فإن الكثيرين اليوم من موظفي شركة أرامكو السعودية يحملون شهادة الدكتوراه في تخصصاتهم العلمية، ومع ذلك فقد تعمل إلى جانب الموظف سنوات وأنت لا تعلم إن كان يحمل هذه الشهادة العليا. فالعبرة هناك بالأداء والعطاء، مع سيادة الاحترام بين الجميع. ولا تسمع بأحد ينادي زميله بلقب دكتور. ونعود إلى كلمة خبير، وهي محور النقاش في هذه الفقرة. لا نعلم متى يتم تصنيف شخص ما بأنه خبير. ومن الذي يحكم على ذلك؟ ونحن لا نتحدث هنا عن الحالات النادرة التي يصفك أحد المعجبين بصفته الشخصية بكتاباتك أو بآرائك بأنك خبير، فهذا شأنه. فقد يصفني أحدهم بأنني خبير بترولي لأن معظم كتاباتي عن البترول ومستقبله. أو ربما لكون عملي كان في مجال حفر وإنتاج وهندسة البترول. ومع احترامي وتقديري لمثل هذه الآراء الشخصية فإني لا أحبذ أن يقال عني إنني خبير. فكلمة خبير في مفهومي تعني أنني مطلع على جميع خفايا وأمور هذا الموضوع. فهناك أمور فنية كثيرة لا أحيط بها. وهناك أعمال تتعلق بتسويق البترول حسب أنواعه وأشكاله ونقله وتكريره. ونصل هنا إلى موضوع الفقرة الأولى من المقال، وهي اقتصاديات البترول التي لم نعرف بعد لها تعريفا دقيقا. فبأي فرع من هذه الفروع يكون أحدنا خبيرا؟ وهناك اقتصاديون، درسوا علوم الاقتصاد وأبدعوا في مجالات تخصصهم. ويتحدثون مثل غيرهم عن أسواق البترول وعن أسعار البترول وماضي ومستقبل البترول، بناء على متابعتهم واستنتاجاتهم الشخصية. والبعض منهم يجتهد ويتحدث عن موضوع عنوان المقال، وهو اقتصاديات البترول، كجزء من اهتماماته. كل ذلك جميل. ولكن هل هذا يمنح المتحدث حق لقب خبير بترولي وهو لم تطأ قدمه حقل بترول ولم يفتح أو يقفل صمام بئر بترول؟ ربما يكون أحدنا متابعا جيدا لحركة أسواق البترول، ولكن ليس خبيرا في كثير من الشؤون الأخرى. أنا لا أعلم أن أحدا ادعى لنفسه ذلك اللقب، ولكن الحديث موجه إلى عامة القراء والمعلقين الذين يأتون بهذه الألقاب تكريما للشخص واحتراما له واعترافا بمجهوده ومشاركته الاجتماعية. وقد يعود ذلك إلى الثقافة الاجتماعية التي تميل إلى التمجيد والتبجيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي