رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


للتستر ضحاياه «2»

غالبا نتحدث عن التستر التجاري كجريمة اقتصادية كبرى في حق المجتمع، وعدالة الفرص فيه، وسبل الرزق الشريف لأبنائه، دائما هو يمثل انتزاعا لحق الضعفاء، والطبقة الوسطى التي كانت ستجد في تلك الفرص المنهوبة بالتستر سبيلا من سبل الحياة الكريمة الذي استأثر به قادمون من أقاصي الأرض على تأشيرة متستر خائن اتصف بالأنانية المجنونة، وحب الذات، وضعف الإيمان بوطنه.. وترابه.. وأهله.. هي جريمة وطنية دون ريب، وهي خيانة كبرى بلا شك، وهي خروج على الوطن ومعاش أهله ذاك ما لا يملك أحد فرصة لإثبات خلافه. إلا أننا على الرغم من عقوبة التشهير التي انطلقت بها مشكورة وزارة التجارة دون تراجع، نحسب أننا بحاجة إلى تعميق الرؤية في جوانب الاستدراج، وما يسمى "الجاني الضحية"، هي اليوم لا تختلف كثيرا عن غواية غسل الأموال التي ما زالت تستجلب العشرات من الضحايا سنويا، كحشرات الضوء، التي تفقد ممانعتها من غواية النور حتى تحترق به، هي غواية الملايين والأموال الهائلة التي ستنسكب في حسابه وتخرج منه تاركة نسبة سخية له.
غالبا تنتهي هذه القصص إلى دفعه هو أموالا يختفي بعدها الحساب ومن كان خلفه.. ليعاود اصطياد ضحية أخرى، تمني نفسها بالملايين العابرة للحدود، كأنها مصباح علاء الدين. إلا أن المارد في كل مرة يجرد من يخرج له من كل مدخراته، ويودعه السجن لمدة غالبا لا تقل عن سبع سنوات غير مشمولة بعفو! يقضيها حصرما تامة في غير نقص!
المواطن (ح ــــ ف.) اتفق معه ثلاثة هنود على أن يفتح لهم بقالة في مدينة الرياض، مقابل خمسة آلاف ريال شهريا مقطوعة، وحيث إنه يقيم في الشرقية، أقنعه الهنود بتوقيع أوراق سحب وإيداع على بياض، ليتمكنوا من إيداع النقد اليومي ثم السحب من البنك عند الحاجة إليه.
خلال ثلاثة أشهر تمت مداهمته في كليته الصناعية بالجبيل، وإحالته للتحقيق، لورود بلاغ أمني من حكومة دبي عن حساب يستقبل أموالا في المملكة لشركة وهمية تقوم بغسل الأموال، حيث تم إيداع 100 مليون ريال، ثم سحبها من الحساب التابع لمؤسسة هذا الشاب ذاته، وحيث إن التواقيع كلها صحيحة ومطابقة، وحيث إن دعواه بالتستر لا يملك أي بينة عليها، وحيث إن جميع الوثائق الرسمية مسجلة باسمه، فقد حكم عليه القاضي بالعقوبة 15 عاما، والسجن سبع سنوات لجناية غسل الأموال. وفي الوقت الذي سيقضي هذا الشاب زهرة شبابه وحياته في ظلمة الحياة، والسجن، والعجز عن كل رغبات النفس وحاجاتها، يستقل الهنود بتأشيرة خروج نهائي لبلدهم، لينعموا بملايين حصة غسل 100 مليون ريال وهي عشرة ملايين ريال!
إن محكمة الاستئناف لم تجد سببا صحيحا لقبول الاعتراض وبذا تمت المصادقة عليه، ليكتسب الحكم الصفة القطعية، وهذا وغيره كثير من الضحايا الذين لا نعرفهم، ولا نعرف قصصهم المؤلمة والخطيرة جدا في آن لأننا نتحدث عن العقوبة ولا نتحدث عن ضحايا الجريمة المنظمة للتستر. إن العمالة التي كانت سائبة، عدد غير قليل منهم يحمل شهادات عليا، وهو يرصد الفرص، وتتعرف على ثغرات القانون ثم يوظف معرفته لاصطياد ضحية تتصف بالعوز والفقر والحاجة والجهل، ومن ثم يجعل المال يصل إليه بالقدر الذي يفقده ممانعته، ويشعره بخدر الراحة، وتتملكه شهوة المال، وشهوة الغنى.
الأفعى ناعمة الملمس كأنها لفائف الحرير وهي تستكين الفريسة لخدر النعومة المفرطة هذا، يأتيها ضغطة تكسير العظام المخرجة للروح قبل البلع..
لا أرغب في مقالي هذا، ولا أمني نفسي بأكثر من تسليط الضوء على الحركات المنظمة للتستر، وأن الضحايا يتساقطون بخدر المال، وأننا نخسر كل يوم الكثير، ألا يكفي أننا في الخليج العربي من أكثر دول العالم تصديرا للمال خارج أراضيه. والكثير مما ضاق عليَّ بيانه الآن وعرض تفاصيله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي