رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماجستير مع مرتبة الشرف

نفرح ونحتفل بحصول من حولنا على درجة جامعية معتبرة مثل درجة الماجستير، ولكن نفاجأ أحيانا بأن أثرها الحقيقي أقل من الزخم الذي يواكبها والصعوبات التي يمر بها الحاصل عليها. وربما سمعنا كثيرا من يقول إن هناك من عاد من الخارج بشهادة ماجستير ولم يجد عملا بعد. على الرغم من اتفاقنا على أهمية التعليم الأكاديمي النظامي المعتمد إلا أن دوره في سوق العمل خلال العقود الأخيرة بدأ يتغير دوليا ومحليا. أكبر دليل على ذلك انخفاض معدل رواتب الحاصلين على البكالوريوس فقط على الرغم من التحسن العام لمستوى الأجور في دولة مثل الولايات المتحدة، للشهادات المتقدمة والزمالات المهنية والخبرات النوعية دور كبير في المفاضلة وتحسين الفرص.
نحن أيضا نمر بمرحلة شبيهة بتلك التي تحصل في الدول الغربية منذ عدة عقود، مثل تأثيرات العرض والطلب في الكفاءات واختلاف تطلعات الجهات التوظيفية ومفاهيم الأداء والإنتاجية. في السابق، كان من يحصل ـــ محليا ـــ على أي تعليم نظامي يضمن نقلة نوعية في أسلوب المعيشة، ثم تحولت هذه القيمة إلى الشهادة الثانوية التي سرعان ما ارتبطت بالبكالوريوس. واليوم لا ترتبط بالماجستير ولا حتى الدكتوراه بل بأمور أكثر أهمية، ورغم ذلك لا تجد الاهتمام المطلوب بعد.
لن يحقق الماجستير النجاح المهني - ولو كان بمرتبة الشرف والتفوق الأكاديمي اللامع ــــ ما لم ترافقه عدة ملامح أخرى عند الباحث عن العمل، هي أمور يسهل الحصول عليها ولكن يصعب في العادة عرضها. منها الحضور الجسدي والمعنوي اللافت والحصول على مجموعة متنوعة من مهارات الاتصال والمهارات الشخصية المهمة الأخرى، إضافة إلى المعرفة المحدثة في مجال العمل المحتمل وفي مجال التخصص. كذلك، تبحث الجهات التوظيفية الرائدة عن أي إشارات تستدل بها على قدرة المرشح على العطاء والالتزام والولاء، وربما تعمق بعضهم ونقب في شخصية المرشح عن مؤشرات التفكير الاستراتيجي والمنظومي والعاطفي.
تمثل الدرجة الجامعية في العادة أقوى العناصر المحسوسة والقادرة على إيصال الشخص للمقابلة الشخصية، ولكن بعد ذلك وحتى أثناء العمل لا تنفع إلا المهارات ودلائلها، خصوصا المهارات المستغلة التي نتمكن من استخدامها واستعراضها في الوقت المناسب. يحصل أحدنا على دورة في مهارات التفاوض وربما يقرأ كتابا ويحضر ورشة عمل عن إدارة الوقت، وجل ما ينعكس بعد ذلك هو عبارة مثل "حاصل على دورات متنوعة" في السيرة الذاتية؛ هذا بالطبع لا يكفي. المقدرة على تمثيل هذه الخصائص النوعية المؤثرة أثناء تقديم أنفسنا يغلب بالضرورة تأثير شهادة أكاديمية معتبرة مثل الماجستير. يكتشف مديرو التوظيف ذلك بسهولة عند ارتباك من يقابلون أو تأخرهم عن الحضور.
نحصل على الشهادات بدعم الآخرين ومساعدتهم، منظمات وأشخاص وبرامج يجتمعون بطريقة معينة لتيسير عملية التعلم وتوثيق نتائجها؛ تعظيم نتائج هذه العملية مرتهن بآمالنا وسلوكياتنا الذاتية إضافة إلى الإلزامية التي نعتمد عليها لإنهاء المرحلة. في الجانب الآخر، نجد أن الحصول على المهارات المكتسبة وتوثيق وعرض هذه المهارات لا يرتبط كثيرا بدعم برامج محددة كالبرامج الأكاديمية، بينما يعتمد على قدرتنا المحضة على تحويل التطلعات الشخصية إلى حقائق وممارسات فعلية، ويقوم على الالتزام بخطوات غير إلزامية، فلا درجات ولا نجاح ورسوب ولا شهادة مشرفة يترقب الآخرون إعلانها للمباركة والاحتفال.
نعم، لن تفقد الشهادات الأكاديمية قيمتها بسهولة، فهي منظومة مهمة تحسن من قدرتنا على التعاطي مع متغيرات الحياة وتحمل طموحات الأمم والشعوب نحو النماء والحضارة، بل نراها تتحسن مع تطور المؤسسات والنظم الأكاديمية حولنا؛ ولكن الجانب الآخر لا يقل أهمية. ولن يقلل أي مليونير أو ريادي أعمال من قيمة التعليم النظامي إذا أقر بأنه لم يتمكن من إكماله. تجارب هؤلاء مجرد دليل على أن التعليم النظامي ليس الطريق الوحيد ـــ أو الكافي ــــ نحو النجاح.
من يشعر بأن مدرسته أو أسرته لم تول الاهتمام اللازم لهذه الجوانب فعليه المسارعة بتعويض ذلك، وألا يكرر الخطأ نفسه مع أبنائه. التجربة والممارسة والتنبه لكل ميزة سلوكية نوعية نستطيع إظهارها تضفي قيمة لا تقدر بثمن إلى الشهادة الأكاديمية وتشرف حضورها في سجل حاملها. أما المناقب الأكاديمية الخالية إلا من براهينها الذاتية فلا تتسم بالمصداقية في العادة، أقوى اعتماد لمثل هذه الشهادات يحصل عليه حاملها بباقة مميزاته الأخرى التي يحملها بثقة ويستخدمها بفن ومهارة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي