هل آن الأوان لإدخال سعر النفط في سعر الصرف؟
تتطلع الدول إلى تنويع مصادر دخلها وإحداث نمو اقتصادي راسخ، وهذا التطلع يتطلب ضمن ما يتطلب قدرات تنافسية، ويعزز القدرات التنافسية كون العملة مقومة بأقل من قيمتها. وهي سياسة سارت عليها الصين وسارت عليها دول كثيرة. لكنها طبعا ليست السياسة الوحيدة لتعزيز التنافسية.
ما الوضع في دول الخليج الآن؟ أسعار النفط منخفضة، لكن سعر الريال مرتفع تبعا لارتفاع سعر الدولار مقارنة بأسعار عملات عالمية أخرى. وهو وضع يصب في مصلحة تجار الاستيراد وليس التصدير.
وزيادة في التوضيح، يضغط ارتفاع الصادرات "النفط في حالة السعودية" على أسعار الصرف الاسمية والحقيقية للارتفاع، لكن مع تثبيت سعر الصرف تثبيتا تاما كحالة الريال، فإن تلك الضغوط لارتفاع أسعار الصرف الحقيقية تتركز على الأسعار النسبية بين الدول، أن ترتفع أسعار ما لا يقبل الاستيراد بصورة أكبر من ارتفاع أسعار ما يقبل الاستيراد، لأن المنافسة في هذه الأخيرة أقوى، ولذا تميل معدلات الربح إلى أن تكون في الغالب أعلى في الأولى "ما لا يقبل الاستيراد".
ارتفاع سعر الصرف الحقيقي يقلل من تنافسية الاقتصاد المحلي، وهذا أحد أوجه ما يسمى المرض الهولندي، Dutch disease، ويتخذ أكثر من صورة. وبالنسبة إلى الاقتصادات الخليجية، يمكن أن نقول عنه بعبارة مبسطة جدا إن صادرات الموارد الطبيعية تتيح الحصول على النقد الأجنبي بسهولة، دون تطوير القطاعات الاقتصادية للسلع والخدمات التي يمكن أن تدخل في التجارة الدولية "تستورد أو تصدر"، ومن ثم يتركز الاستثمار والنشاط الاقتصادي في قطاعين كبيرين: قطاع الموارد الطبيعية، وقطاع الخدمات التي لا يمكن أو يصعب منافستها من الخارج "لا تقبل المتاجرة دوليا".
وللفائدة، سعر الصرف الحقيقي هو السعر الذي يقيس أسعار سلع وخدمات في دولة بالنسبة إلى الأسعار في دولة أخرى، أو مجموعة من الدول، وفي هذه الحالة يسمى سعر الصرف الحقيقي الفعال real effective exchange rate REER . ولذا يتكون سعر الصرف الحقيقي من جزأين: الأول سعر الصرف الاسمي، كالقول إن الريال يساوي 0.27 دولار (27 سنتا) تقريبا، أو كذا من اليورو، والثاني السعر النسبي بين دولتين "سلة أسعار في دولة مقسومة على سلة أسعار في دولة أو مجموعة دول أخرى"، وتوجد طرق كثيرة للتعبير عن السعر النسبي.
حاليا وباختصار، الدولار مرتفع، وأسعار النفط الاسمية والحقيقية منخفضة، وسعر صرف الريال الاسمي والحقيقي مرتفع نسبيا. هذا يحد من تنافسية الصادرات السعودية غير النفطية. وهذا دون إخلال بآثار أخرى خارج نطاق المقال.
هل من آراء أخرى لمشكلة التغير غير المرغوب فيه في أسعار الصرف الحقيقية؟
دعا الباحث الزميل براد ستر Brad Setser، دول مجلس التعاون إلى اتخاذ سعر صرف يتسم بقدر من المرونة، بعد أن ناقش عيوب النظام الحالي. انظر، مثلا، دراسته:
The Case for Exchange Rate Flexibility in Oil-Exporting Economies، November 2007.
وقد سبقه البروفيسور فرانكل Frankel "أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد"، الذي طور نظام سعر صرف جديد، سمي ربط سعر الصادرات أو ربط السعر التصديري peg export price PEP. انظر، على سبيل المثال:
Peg the Export Price Index: A Proposed Monetary Regime for Small Countries، Journal of Policy Modeling، June 2005.
الاقتراح موجه إلى الدول المعتمدة اقتصاداتها كثيرا على إنتاج سلعة أولية سواء معدنية أو زراعية. وذلك بتثبيت قيمة العملة المحلية بسعر السلعة. مثلا، يمكن لدولة منتجة للذهب أن تربط عملتها بسعر الذهب، ولدولة معتمدة على إنتاج النفط أن تربط عملتها بسعر النفط، وهكذا.
تثبيت أو ربط الريال بالنفط ليس بالضرورة أن يكون ربطا كليا، فمثلا ممكن إبقاء الدولار "في حالة السعودية" مهيمنا، مع ترك هامش، لنقل مثلا 30 في المائة لأسعار النفط، ومن ثم يحدث ارتفاع وانخفاض في سعر الريال تبعا لحركة سعر النفط. وهذا الربط يشبه نظريا كون البنك المركزي كمؤسسة النقد تحتفظ باحتياطيات من النفط لدعم الريال. وبالله التوفيق.