جاءنا البيان التالي
أثار بيان 52 من الحركيين، العاصفة والغبار، حيث عمد إلى إعادة توريط الشباب في قتال القوات الروسية في سورية، مذكرا بأيام الرحيل إلى صفوف تنظيم القاعدة وطالبان وغيرها من الفصائل الأفغانية إبان الحرب السوفياتية في أفغانستان. البيان، وإن كان مراوغا في نصه وصياغته، إلا أن الشيطان سيحضر في التفاصيل. وإن كانت كثافة محاربة هذا الفكر من قبل شرائح المجتمع مريحة نوعا ما، فالجدل الذي حدث مع هذا البيان الجديد ليس صحيا بلا شك. أما لماذا ليس صحيا فلأن الموضوع مريض، ووجود مادة للجدل كهذه بحد ذاتها مقلق، عوضا عن أن يكون الجدل بشأنها مقلقا أيضا. الأمر ليس وجهة نظر. أولا لأن فكرة القتال في سورية وغيرها ليست فكرة نظرية نختلف بشأنها على مسرح وسائل التواصل، ومن ثم نضع الأجهزة وننام. ثانيا أن ما يحدث من تحريض هو سكب بنزين على منطقة مشتعلة بمن فيها. أما ثالثا فإن نسبة التأييد توضح المستوى الفكري الخطر لمثل هؤلاء على الداخل.
الجهاد بمفهومه الإسلامي انتهى بزمنه. لم يبق من الجهاد إلا معان أخرى ليس حتما بينها جهاد تقليدي في عصر الدول الحديثة وأجهزتها وسياساتها. إذن فإن أي تحريض ليس على أساس ديني، من مجموعة تحرض ولا تشارك أو حتى تبعث أبناءها هي. إنها تحرض الشباب كوقود لهذه الأفكار. أحد المغردين على "تويتر" تابع واحدا من بين أسماء الموقعين يقول إنه يلاحظ اسمه في أغلب البيانات إن لم يكن جميعها. لكن المثير أن ابنه كان في سورية واستمات في إعادته وتشفع له في وظيفة ليستقر. ما يعني أن أبناء الناس يحرضونهم على النفير من خلف الأجهزة وسفريات الاستجمام، وأبناءهم يستميتون ويفعلون المستحيل لمنعهم. على برنامج "سناب تشات"، أضفت أحد الدعاة المعروفين لمعرفة ماهية التفاعل والمشاركات من خلال هذا البرنامج. لاحظت أن هناك تحاشيا واضحا لذكر داعش والجماعات الإرهابية الأخرى بأي نقد وسوء. بل هناك تأييد ضمني وصريح أحيانا كثيرة.
الأهم أن الدعوة للانضمام للجماعات تأتي خلافا للقرار السعودي الذي أعلن في آذار (مارس) 2014 قائمة الجماعات الإرهابية التي ضمت كلا من "داعش وجبهة النصرة "فرع القاعدة في سورية"، والإخوان المسلمين، وحزب الله السعودي "الحجاز" وجماعة الحوثي، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، واليمن، والعراق". والقرار كذلك يقضي بتجريم "المشاركة في أعمال قتالية خارج السعودية، أو الانتماء للتيارات أو الجماعات وما في حكمها، سواء أكانت دينية أو فكرية متطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت". وبحسب قناة العربية فإنه بمتابعة عدد من أسماء الدعاة الموقعين على البيان، تبين "مشاركتهم المباشرة بالإفتاء في مجريات الأحداث في سورية، وإمداد من يقاتلون من الجماعات المتطرفة في سورية بالتوجيه والمشورة وشرح "وجهة النظر الشرعية"، وفق منظورهم الخاص".
إذن القضية لم تعد قضية فكرية فحسب، بل قضية قانونية ينبغي التعامل معها قانونيا ونظاميا. التحريض مستمر ونحن أمام قضية.