رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الغرب لا يضرب الإرهاب بل يضرب به

لا أعلم إن كانت كلمة "الإرهاب" ترجمة دقيقة لمرادفتها الإنجليزية terrorism. المفردة الإنجليزية تجمع في ثناياها كل ما يراه المرء من شرور. ربما اليوم ليس هناك كلمة أقبح من كلمة terrorist "إرهابي" وterrorist organization "منظمة إرهابية" في معاجم اللغات الأوروبية قاطبة.
وصل الأمر بكثير من الناس في الغرب إلى تجنب المفردة وعدم النطق بها لا سيما في الأماكن الحساسة مثل المطارات كيلا تجلب الشبه وتؤدي إلى مشكلات المسافر في غنى عنها.
قبل أن أحاول تقديم تفسير علمي ولغوي وثقافي لكيفية استخدام هذه المفردة في الغرب، وكيف أن الاستخدام اللغوي يؤشر وبصورة واضحة إلى طبيعة وواقع "الحرب" التي يشنها الغرب على الإرهاب، لننظر سويا إلى المفردة في العربية أولا وطريقة استخدامها ومدلولاتها.
إن درسنا معاني اللفظة هذه والعبارات والتراكيب اللغوية التي تدخل فيها بالعربية لرأينا أن العرب مدوا ومطوا كلمة "الإرهاب" إلى درجة أنها خرجت مما يؤطره لهم المعجم باللغة العربية ومنحوها أو ربما أسبغوا عليها الدلالة والمعنى الذي أراده الغرب لها.
لا أظن أن الفعل "أرهب"، وهو جذر كلمة "الإرهاب"، كان له المعنى الذي يمنحه العرب له اليوم قبل نحو 50 سنة.
نعم اللغة تتطور والمعاني تتبدل وحتى الألفاظ قد تأخذ أشكالا وقوالب مختلفة. بيد أننا هنا، وأمام هذه اللفظة بالذات، نقف أمام صراع حضاري وسياسي وثقافي تدعمه جيوش جبارة لدول عظمى إضافة إلى مجاميع منظمة ذوي بأس شديد تعتمد في قتالها وصراعها مع الغرب أو مع الآخرين على ما يصلها من سلاح من الغرب.
حسب علمي كلمة "أرهب" في العربية تعني "أفزع وأخاف". فمن أين أتت كل هذه الشمائل المرعبة والوحشية والقبيحة للكلمة؟ وكيف حدث أنها صارت واحدة من أسوأ المفردات في العربية؟
الغرب لم يغير في المعنى الأصلي لكلمة terrorize "يرهب" وهو الفعل الذي منه تشتق مفردات أخرى مثلterrorist, terrorism, terror. كانت هذه المفردات والاشتقاقات دارجة تاريخيا ولها تقريبا المعنى ذاته المتداول اليوم.
قد يقول قارئ، ما الإشكال إذا؟ وهل هذه الكلمة حقا تستحق كل هذا الحديث؟
في الفكر النقدي أو الفلسفة النقدية التي نستند إليها في تحليل الخطاب هناك نظرية تقول إن أصحاب السلطة والجاه والسطوة بأشكالها المختلفة لا يحكمون الناس ويتسلطون عليه من خلال الشرطة والمخابرات والأمن والعسكر فقط. من الأهمية بمكان لهؤلاء أن يفرضوا سطوتهم من خلال الخطاب "اللغة كتابة ولفظا".
لقد نجح الغرب في فرض المعنى والدلالة التي لديه لمفردة سلبية محددة مع تراكيبها اللغوية واشتقاقاتها، كانت دارجة لديه ويطبقها ضمن محيطه وواقعه الاجتماعي، على اللغة العربية. مع ذلك قبلها الناطقون بالعربية على علاتها ودون اعتراض.
وهكذا صارت كلمة "أرهب" تنتج لنا مشتقات مثل "الإرهاب" و"الإرهابي" و"إرهابية" بالدلالة والمفهوم الغربي البحت.
ليس هذا فقط، الغرب أخرج الدلالات والمعاني التي ظلت ترافق مفردة terrorist من خانة واقعه الاجتماعي والتي كانت تاريخيا تعبر عن هذا الواقع خير تعبير وألصقها بالآخرين.
اليوم كلمة "الإرهابي" تستخدم ليس فقط بالإنجليزية بل بالعربية لتوصيف بعض العرب والمسلمين. وفي نظر قسم من الغربيين أن كل العرب والمسلمين "إرهابيون". قل "الله أكبر" بصوت مسموع وبالقرب من رجال الأمن في أحد المطارات الغربية وقد ترى نفسك في مشكلة وتحقيق وربما توضع وراء القضبان.
أنظر كيف أن كلمة "الإرهاب" اتخذت منعطفا خطيرا جدا وأخذت تغطي عبارات وتراكيب لغوية بريئة، لا بل إنها أخذت تنسحب كممارسة خطابية سلبية على اللغة العربية بصورة عامة.
الناطقون بالعربية، لأنهم الحلقة الأضعف، يقبلون التحدي الخطابي هذا رغم الظلم الذي يلحقه بهم كثقافة ولغة. وهكذا تراهم يستخدمون لفظة "أرهب" ومشتقاتها ليس لتوصيف الغرب بل لتوصيف بعضهم بعضا مستندين إلى الدلالة الغربية للمفردة وليس كما ترد في معجمهم.
هذا من ناحية اللغة والخطاب، حيث برهنا أن الغرب لا يضرب الإرهاب بل يضرب الآخرين به من خلال تبرئة خطابه من دلالة اللفظة هذه وضرب الآخرين بها.
أما في ساحة الوغى، فأظن أن القراء من الذكاء كي يحللوا ويتوصلوا كيف أن الغرب لا يضرب الإرهاب بل يضرب الآخرين به. هناك مقاربة وتواصل بين الخطاب والواقع الاجتماعي لأن الواحد يشكل الآخر ويؤثر فيه في علاقة تبادلية مصيرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي