يوم المعلم والمراجعة الضرورية
كثيرة الأيام التي تمثل مناسبات يتم الاحتفاء بها، كل عام، كيوم الأم ويوم الشجرة ويوم الأرض ويوم الحب ويوم القدس، وهذه الأيام وتحديدا في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) خصص للمعلم يوم يتم الاحتفاء به. هذه الأيام، و غيرها وضعت لأهمية الأشخاص، أو الأشياء التي وضعت من أجلها، بهدف التذكير بها وعدم نسيانها، أو بهدف الحصول على مزيد من العناية، والاهتمام. يوم الأم على سبيل المثال لا الحصر، هل وضع للاهتمام بالأم في اليوم المخصص، أم أن الاهتمام بها طوال السنة، وطوال العمر، وبعد الممات، كما حثنا الشرع على ذلك بالدعاء، وأعمال البر.
الحقيقة المرة أن البعض في كثير من المجتمعات ربما لا يذكر أمه إلا في المناسبات فقط. في برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات الفضائية الأمريكية اتصلت سيدة كبيرة السن ذكرت أنها تعيش في مدينة شيكاغو، وابنها يسكن المدينة نفسها، وقد مضى عليها سبع سنين لم تره، وكل ما يصلها منه بطاقة معايدة رأس السنة الميلادية تصلها في البريد، وإذا كان هذا هو الحال فمن الواجب أن نسأل، ما الذي أحدثه يوم الأم من إيجابيات لدى من يحتفون أو يحيون هذا اليوم؟!
يوم الأرض وجد للاهتمام بالأرض، وعدم تلويثها بالغازات، والمخلفات الضارة، ولذا في يوم الأرض يتم إطفاء الأنوار إشعارا بضرورة الاهتمام بكوكب الأرض، لكن الغريب في الأمر أن الدول الغربية التي استحدث فيها اليوم هي التي لوثت الأرض بصناعاتها، وغازاتها الكيماوية، وتفجيراتها النووية، حتى أصبحت تبتز الدول الأخرى وتفرض ما سمته ضريبة الكربون على البضائع النفطية.
يوم المعلم المعتمد عالميا وضع بهدف بث الاهتمام بهذا الإنسان الذي يحترق ليضيء الطريق لغيره، ويبني أجيال الوطن الواعدة التي تتسلّم الراية ممن قبلها لتواصل المسيرة، بل تضيف وتطور خاصة في زمن لم يعد المعلم يحظى بالاحترام اللائق به لا من طلابه ولا على الصعيد الاجتماعي الذي يمكنه من القيام بمهمته بالشكل المناسب. في السابق كان المجتمع يقدر المعلم وينزله المنزلة اللائقة به، ولعله من المناسب الإشارة إلى أن فنلندا يتربع المعلمون فيها على أرقى الوظائف كما ينظر لها المجتمع، وينافسون الأطباء والمهندسين وتدفع لهم رواتب عالية.
كلية التربية في جامعة الملك سعود نظمت خلال الفترة من 23 إلى 24 من شهر ذي الحجة مؤتمر معلم المستقبل تزامنا مع يوم المعلم، حيث حضر المؤتمر جمع من المتخصصين من داخل المملكة وخارجها، وقدمت خلال ثماني جلسات بحوث عرضت لتجارب دول مثل الصين ممثلة في جامعتها الوطنية، وكوريا الجنوبية، وفنلندا، وبريطانيا، والولايات المتحدة في إعداد المعلم، والبرامج المعمول بها في هذه الدول، ولا شك في أن الوقوف على خبرات الدول الأخرى، والاستفادة منها، يمثل مكسبا كبيرا لوطننا خاصة في شأن إعداد المعلم الذي يواجه الكثير من الإشكاليات، والتحديات في زمن سريع التغير مع التقدم التقني الهائل والسريع، والتراكم المعرفي في المجالات كافة، إضافة إلى اكتسابه طرق وأساليب التعليم الحديثة، وتوظيف التقنيات المتقدمة في مجال عمله. جميل عقد المؤتمر إلا أن المؤتمر لوحده غير كاف، إذ لا بد من مراجعة وإجراءات تتخذها الجهات المعنية في التربية والتعليم لتعزيز مكانة المعلم الاجتماعية، والارتقاء بمستواه المعرفي، مع تجسيد القيم الواجب عليه تمثلها. هذا لا يتحقق إلا بإيجاد برنامج متكامل يستهدف إحداث النقلة المطلوبة.
المعلم في حاجة إلى شعوره بتقدير مهمته، باعتبارها المهنة الوحيدة التي بها إما أن يرتقي المجتمع و يصعد إلى درجات التقدم والتطور، ومنافسة المجتمعات المتقدمة، أو أن يظل يراوح مكانه تجتر أجياله معرفة جامدة دون أن يكون لها إضافات تحسب لها في الحضارة العالمية يستفيد منها وطنها ومجتمعها ويستفيد منها الآخرون.
ما من شك أن هذه الأيام تحولت في بعض المجتمعات إلى ما يشبه الممارسة الشكلية التي لا تحدث تغييرا حقيقيا لدى الناس تتجسد فيه منظومة قيم، ومشاعر، واتجاهات إيجابية، وإنما ممارسات بروتوكولية جافة فاقدة لمعناها، وليس لها طعم، بل إن بعض المجتمعات حولتها إلى مورد اقتصادي.