رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الجاهزية السعودية لـ «العولمة الضريبية»

للعولمة الاقتصادية فوائد كثيرة، لكونها تُمكن الشركات من تطبيق نظرية الإنتاج الكبيرmass production، حيث تسمح العولمة بتزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين بلدان العالم عن طريق تحرير التجارة، ولا شك أن العولمة الاقتصادية مكنت المستهلكين من التمتع بمجموعة كبيرة من السلع والخدمات بجودة أعلى وتكلفة أقل، الأمر الذي انعكس إيجابا على مستوى المعيشة وجودة الحياة.
وعلى أفراد المجتمع أن يدركوا أنه كما أن للعولمة فوائد كثيرة انعكست إيجابا على جودة حياتهم، حتى يقول أحدهم "لا أعلم كيف كان الأولون يعيشون دون الهواتف الذكية وتطبيقاتها"، أقول عليهم أن يدركوا أنهم كأفراد سيواجهون التزامات جديدة، ومن أهم تلك الالتزامات هي الالتزامات المالية التي تلامس "المال عديل الروح" كما يقول المثل.
يقول الباحث عصام عبد القادر الشهابي في رسالة الدكتوراه التي قدمها في جامعة عين شمس "إن الانخراط في العولمة لم يعد قضية خيار استراتيجي عائد لمطلق الإرادة السياسية لأي دولة مهما عظم أو صغر شأنها في العالم، بل في كيفية التأقلم مع ظاهرة حتمية Globalization Determinism لا قبل لردها على أعقابها، بعدما أخذت تمثل بعدا بانوراميا لتطور طبيعي باتجاه عالم بلا حدود. فدول العالم اليوم قاطبة، إما أنها مرتبطة باتفاق خاص مع صندوق النقد والبنك الدوليين لتنفيذ برامج معينة للتثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي، أو أنها عضو في منظمة التجارة العالمية وملزمة بمقتضى هذه العضوية بمبادئ تحرير التجارة الدولية من القيود الاقتصادية وغير الاقتصادية".
العولمة الاقتصادية تقوم على التجارة والمنافسة الدولية في أسواق دولية مفتوحة تلغى بها القيود وجميع أشكال الدعم والحماية والتفضيل، ولذلك فإن البنية الفكرية المعتمدة للبقاء تتمحور حول القدرة على المنافسة من خلال الميزات النسبية لكل شركة منافسة، ومن ذلك القدرة على الابتكار والتطوير والإبداع والسرعة في تحويل الأفكار إلى منتجات أو خدمات، ولا شك أن العولمة الاقتصادية كما تعد مصدرا أساسيا لنمو الشركات، فإنها تُعّد أيضا أساسا للتغير الفكري والهيكلي في الاقتصاديات للتأقلم والتكيف مع التغيير.
من أهم القطاعات الاقتصادية التي تتعرض لتغيرات فكرية وهيكلية هو القطاع المالي للدولة من جهة الإيرادات والمصروفات الحكومية، ومن جهة إعادة هيكلة المؤسسات المالية وعلاقاتها وحركة الأموال دخولا وخروجا وانتقالا بين المؤسسات والأفراد، ومن الآثار غير المرغوبة للعولمة خاصة في المجال المالي أن العولمة تحد من اختيارات الحكومات في إدارة النشاط المالي، ومن ذلك النظم الضريبية التي تشكل أداة فاعلة في السياسات المالية لتوجيه التنمية بجميع مجالاتها، كما تشكل إيراداتها الرافد الأساسي لموازنات الدول، ولذلك فإن الدول المتقدمة التي تقود عولمة الاقتصاد تقود في الوقت ذاته عولمة الفكر الضريبي وتطبيقاته، لكيلا تتأثر إيراداتها سلبا لتقاعس دولة أو أكثر في تطبيق المعايير الضريبية الدولية، وإلا فإن المنظومات الدولية ستتصدى لها بما لديها من أدوات أخرى ترغمها على التراجع والانصياع.
مواجهة عولمة الفكر الضريبي وتطبيقاته لتكييفه بما يتفق ومصالح بلادنا بالتزامن مع إعادة هيكلة الفكر الضريبي وتطبيقاته وتأهيل البنية الفكرية للرأي العام حيال أهمية الضرائب وماهيتها وإلزاميتها باعتبارها أداة مهمة في السياسات المالية والاقتصادية ورافدا أساسيا لخزانة الدولة الحديثة للوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها في المجالات كافة. أقول إن مواجهة هذا الفكر لتعظيم فوائده وتجنب مضاره تتطلب جهودا كبيرة وخططا استراتيجية وبرامج تنفيذية متنوعة تنفذ وفق جداول زمنية دقيقة، الأمر الذي يتطلب حراكا سريعا ولجانا متفرغة من خبرات مشهود لها في هذا المجال، مدعومة بخبرات استشارية محلية ودولية بقيادة مصلحة الزكاة والدخل، لكونها الجهة المعنية والأقدر على فهم الفكر الضريبي الدولي وتطبيقاته، والمساهمة في رسم السياسات الضريبية بالتعاون مع وزارة المالية، على أن تخصص الموازنات اللازمة لذلك.
لنتحدث بصراحة، فكلنا نعرف أنه لا تقدم اقتصاديا دون تأقلم وتكيف ناجح يواكب التغيرات الدولية بفعل العولمة وغيرها، والتأقلم والتكيف يجب أن يتزامنا مع التغيرات الدولية ولا يتأخران عنها، وإلا فإننا سنكتوي بنارها ونتحمل مزيدا من التكاليف للحاق بالركب الدولي، وبالتالي علينا بالعمل الجاد والسريع لمواكبة التغيير بتعديل سياساتنا الاقتصادية الكلية، ولا سيما الضريبية منها بما يتواءم والمبادئ التي يتأسس عليها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي يتجلى فيما بات يطلق عليه العولمة الاقتصادية والمالية.
لنتحدث بصراحة أكثر بشأن فرض الضرائب على المواطنين ومنها ضريبة القيمة المضافة التي تشمل ضريبة المبيعات، ومنها ضريبة المظاهر، كما أننا أمام تحول بشأن فرض ضريبة دخل أو استقطاع على المواطنين، إضافة إلى الزكاة الشرعية، حيث إن بعض الدول بدأت بالشكوى لاتباع المملكة سياسات تفضيلية للمستثمر السعودي والخليجي على حساب المستثمر الأجنبي، بما يخل بقواعد المنافسة المتفق عليها في اتفاقية منظمة التجارة العالمية.
وإذا كان الأمر كذلك وهو ما تؤكده اجتماعات المسؤولين الماليين في دول مجلس التعاون بشأن فرض وتطبيق ضريبة القيمة المضافة في المنطقة والإعفاءات الخاصة بها، وأن موضوع إقرار وتطبيق ضريبة القيمة المضافة موافق عليه من حيث المبدأ ومختلف عليه من حيث التفاصيل، وأن اللجان تعمل على معالجة الخلافات، وأن مآلنا إلى الإقرار والتطبيق، إذا كان كل ذلك متفقا عليه فلماذا لا تنطلق عمليات تهيئة المواطنين لذلك، لكيلا تكون الأمور مفاجئة وتترتب عليها خلافات ومشكلات لا تستند إلى ثوابت ومعايير دولية متفق عليها.
ختاما.. أتطلع لأن تؤخذ قضية "عولمة الفكر الضريبي وتطبيقاته" كقضية ذات أولوية، تشكل لها اللجان الفاعلة والقوية لتتحقق من ورائها الفوائد الجمة والكبيرة التي تنعم بها الدول المتقدمة، ويهيأ لها المستثمر السعودي والمواطن والمقيم، ليكونوا على بينة من أسبابها وسياساتها وآثارها الإيجابية على التنمية في مجالاتها كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي