روسيا تعزف .. أمريكا ترقص
القوة الروسية إما أنها ستشعل مزيدا من النار على المسرح السوري تمتد إلى المنطقة، أو يمكن أن توفر حلا حاسما في ظل استمرار الأزمة دون حل. ذلك يعتمد على أداء اللعبة، والتي يسعى من خلالها بوتين إما إلى ضمان استمرار حليفه، وهذا مرفوض حتى الآن وغير مرجح، أو أن يكون لروسيا دور مستقبلي في أي تسوية سياسية ممكنة، كقيادة العملية الانتقالية واختيار أو التصويت لرئيس قادم. جيش بشار لا يمثل إلا جانبا ضئيلا، بجانب قوات متعددة بين إيران وميليشياتها كحزب الله، في مقابل "داعش" وميليشيات متعددة متحاربة.
بعد سلسلة الغارات الروسية الأخيرة في سورية، تكون الأزمة السورية كما المنطقة، قد دخلت منعطفا جديدا. ولا سيما أن هذه الغارات حتى الآن مختلف بشأنها بين تصريحات روسية وشكوك أمريكية دولية، بأن القصف الروسي لم يكن موجها ضد "داعش"، بل ضد المدنيين وربما معارضي النظام. يأتي ذلك وصراحة بوتين في وقوفه مع نظام الأسد كما مواجهة "داعش". ولا سيما أن العتاد الروسي في سورية لا يبدو أنه معد لمحاربة "داعش" فحسب. وهناك بلا شك تضارب كبير بين المهمتين. وإذا كانت المسألة كذلك، وهي ضرب السوريين ودعم جرائم الأسد، فإن براجماتية روسيا في الأزمة السورية ستقود إلى تأجيج ومسارات فوضوية جديدة.
تقول صحيفة واشنطن بوست، إن أوباما ما زال يطلب من إدارته توضيحا، بشأن تعديل استراتيجية التعاطي مع الأحداث داخل سورية! وإذا كانت واشنطن تتقاسم المعلومات الأمنية مع العراق فقط، فقد وقعت الحكومة العراقية على اتفاق تعاون استخباري مع الروس والإيرانيين والسوريين. وهذا يعني تنامي الدور الروسي الاستخباراتي وحليفتها إيران في المنطقة في مقابل الدور الأمريكي. بوتين قال إن القوات الروسية لن تشارك على الأرض، مع اكتفاء روسيا حاليا بالغارات الجوية، إذ لا يبدو أن روسيا تريد المغامرة بخسائر بشرية روسية كبيرة من جانبها حتى الآن. لكن ذلك قد يحدث لاحقا.
خطابا كل من باراك أوباما وفلاديمير بوتين أخيرا في الجمعية العمومية في دورتها الـ 70 للأمم المتحدة لا يمثلان مستوى أهمية وحساسية ما يحدث، ولا سيما خطاب أوباما. كما أن عجلة أوباما لحسم الملف النووي الإيراني سابقا، لم يقابلها جهد حقيقي لحل الأزمة السورية المستفحلة. أوباما يتحدث إنشائيا عن رحيل الأسد دون خطة استراتيجية ودون طرح حلول بديلة. بينما بوتين يتبنى خطاب الأسد حول حرب "داعش". التصريحات الأمريكية تبدو متناقضة، مع تبني سياسة اللاسياسة تجاه سورية منذ وقت مبكر، ودون نية لاستثمار الوقت منذ البداية. الأمر الذي فاقم حجم الكارثة. فهل سياسة الإدارة الأمريكية الباردة تجاه ما تقوم به روسيا هو سذاجة واعتراف بعجز وفشل سابق؟ أم تخطيط أمريكي لانسحاب تام، بجعل روسيا تسقط في الفخ السوري والعراقي معا؟ كلا الأمرين خطيئة فادحة.. ليبدو معها المسرح السوري، حقل تجارب خطيرا.