رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إن أردت معرفة أمريكا فراقب انتخابات الرئاسة؟

الديمقراطية الأمريكية شيء مذهل ومربك في آن واحد. مذهل لأننا نرى تداول سلطة بسلاسة ضمن إطار انتخابات وإجراءات تبدو لأول وهلة أنها من أنزه ما يكون. الرئيس الأمريكي ينتخب لأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
الرئيس باراك أوباما سيغادر الرئاسة ويصبح إنسانا عاديا في نهاية عام 2016 بعد أن يكون قد أمضي فترة ثماني سنوات في البيت الأبيض. وسيبدأ بكتابة مذكراته وستتهافت عليها دور النشر وتتنافس في عروضها المغرية التي ستدر ملايين الدولارات لأوباما كما كان شأن الرؤساء السابقين.
الناس في جميع أنحاء العالم وليس فقط في الولايات المتحدة يراقبون الانتخابات التي تستمر وقتا طويلا يقارب 18 شهرا. هناك حزبان والانتخابات الحزبية بالغة الأهمية لأن كل حزب عليه انتخاب مرشحه ومن المرشحين الاثنين ينتخب الشعب الأمريكي رئيسه.
العالم برمته تهمه هذه الانتخابات. من دون أمريكا يبقى أي حصار تفرضه الدول الغربية على دول أخرى تراها أو حسب وجهة نظرها أنها زاغت عن مفهومها الخاص عن "القانون الدولي" دون معنى ودون أسنان.
قوة أمريكا لا تأتي من قوة جيشها بل من قوة اقتصادها وسيطرتها شبه المطلقة على الاستثمار والمصارف الدولية حيث بإمكانها إيقاف تحويل الأموال إلى أي دولة أو فرد أو شخص تراه خطرا عليها أو على ما تعتبره انتهاكا لـ "الشرعية الدولية" أو "القانون الدولي".
دولة جبارة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. تتدخل في الكبيرة والصغيرة وينتظر العالم موقفها وأفعالها وأقوالها قبل تحديد السياسات والخطط في الساحة الدولية.
ما يدور في الشرق الأوسط خير مثال. الشرق الأوسط ينزف ومنذ زمن طويل وتتهاوى فيه الدول والمجتمعات والشعوب والكل ينتظر أمريكا كي تقرر. وإن قررت يتبعها غالبية الأطراف المتصارعة والتي لها يد في الصراع.
في أمريكا "حرية" وفي شتى المجالات قد لا تجاريها دول أخرى. ولكن قلما نتذكر أن الحرية هذه مبنية على المفهوم الرأسمالي الذي أساسه مبني على زيادة وحماية الثروة ورأس المال ومنح الفرصة للمتمكنين أن يكدّسوا ثرواتهم ويزيدوا في مقتنياتهم لأن هذا حق لا يعلى عليه.
هذا الحق الذي بواسطته تتحكم في المجتمع مؤسسات وشركات ووسائل ضغط وأصحاب الثروات، له علاقة وثيقة جدا بحق حرية الكلام وحق الترشيح للانتخابات والفوز فيها والتأثير في الناس وقيادتهم.
هنا نخرج من هالة الانبهار بأمريكا إلى حالة الإرباك التي تنتاب كل مفكر حاول فهم هذه الدولة الفتية والتي يبدو أن لا سقف لتطورها التقني والتكنولوجي.
لماذا الإرباك؟ لأن الحرية والديمقراطية يمتلكها رأس المال كما يمتلك رأس المال الشركات والناس.
كل الذين نسمع آراءهم وصوتهم من الجمهوريين والديمقراطيين "الحزبين الرئيسين والمتنافسين في أمريكا" هم الذين لهم المال والإمكانية المادية. لو لم يكونوا أغنياء أو تمولهم شركات وأفراد أثرياء لما كان بإمكانهم احتلال شاشات التلفزيون وواجهات الصحف.
المال يأتي من التبرعات والمساهمات وما يملكه المرشح في جيبه الخاص. ولأن المال يأتي من عدة جهات متنفذة فيحاول المرشح إرضاء كل هذه الجهات. ولأن هذه الجهات تريد أن يكون المرشحون في الصدارة في جانبها ـــ لأنها لا تعلم من منهم سيصبح رئيسا ــــ هي أيضا تمنح المال في كل الجهات.
اللوبي الإسرائيلي أذكى الجهات وأكثرها تأثيرا ماديا ومعنويا وسياسيا واجتماعيا. يحاول هذا اللوبي إرضاء الكل وينجح في ذلك نجاحا باهرا. وهكذا ترى أن الكل، رغم عراكهم ومخاصمتهم تقريبا في كل شيء، متفقين على شيء واحد: إسرائيل. ولأن التدين والتشبث بشق من المسيحية يميني الاتجاه ومتطرف جزء حيوي من المكون الاجتماعي الأمريكي، ترى أن الكل تقريبا ولا سيما الجمهوريين ومناصريهم يتباهى في تدينه ويركز كيف أنهم على درب الكتاب والسماء ماشون وكيف أنهم اكتشفوا مسيحيتهم وبتعاليمها ملتزمون. آخر إرباك حدث لي كان عندما رفع دونالد ترامب، المرشح الأقوى حتى الآن في الحزب الجمهوري الذي تزداد حظوظه في خطف الرئاسة على ما يبدو، نسخة من الكتاب المقدس كي يظهر فيها تدينه ويظهر لليمين المسيحي ولا سيما الجناح المتطرف منه أنه عاش في كنف عائلة ورعة لا تفوتها الصلاة وأن الكتاب هو هدية من والدته وبخط يدها.دونالد ترامب مثال على كيف أن رأس المال أو الرأسمالية لا تكتنز الأموال والسلطة ولا تمتلك كل شيء وحتى الناس، بل إنها تشتري الحرية ويعلو صوتها فوق الكل مهمشة للكل عدا ما تؤمن به هي ومن تريده هي.
وها هو ترامب سيد الساحة الإعلامية. نقرأ ونسمع منه وعنه أكثر مما نسمع ونقرأ عن كل فقراء أمريكا الذين يقدرون بـ 35 مليونا وكل فقراء العالم وهم بالمليارات.
وبالمال احتل المايكروفون وهو يسرح ويمرح بعد أن احتل أو غزا مساحة واسعة من "حرية التعبير والكلام" وأضافها إلى رأسماله الخاص، أي اشتراها بفلوسه ومن خلالها يتحدث ويعلق ويعبر عن كل شيء نافثا كرهه لكل من يختلف عنه داخل أمريكا وخارجها.
آراؤه عن الشرق الأوسط والعرب والمسلمين مخيفة. آخر ما قال إنه سيترك المجموعات المتحاربة في الشرق الأوسط تفتك ببعضها إلى أن تنهك وتنتهي وبعد ذلك سيستخدم الجيش الأمريكي لخطف الانتصار.
هناك أقوال ومواقف يصفق لها الملايين في أمريكا ويرفعونه من خلالها على أكتافهم لا تسمح الكياسة وأخلاق الكتابة بسردها في هذا العمود.
شيء واحد لم يمسه ترامب ولن يمسه وسيظل يغدق عليه خطابا حميدا: إسرائيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي