أبناؤنا وسط الحرب

يصعب على أي أب أو أم أن يحاول استيعاب أبنائه. هو في الغالب يريد أن يرسم صورة مثالية تجعله يتخيل هذه الصورة ويستحضرها، كي ينفي الصورة البشرية الحقيقية، التي ترتبط بالتجربة والخطأ، وقد تؤدي بالفتى أو الفتاة إلى ملامسة محطات محظورة.
عند ما نتحدث عن مشكلاتنا، غالبا نحن نستثني أنفسنا ومن نحب من هذه المشكلات.
لنعترف أن المخدرات ـــ مثلا ـــ ظاهرة مشهودة بين الجنسين، لكننا غالبا نراها بعيدة عنا. هذا أمر حسن، ولكن ما دورنا في جعل هذا الأمر بعيدا عن محيطنا، هل الأمر مرتبط بمبادرات وجهد؟
في مسألة الغلو والتطرف؛ نحن أيضا نتحدث عنها، ونلمس أنها ظاهرة، لكننا نستثني مرة أخرى كل أحبابنا منها، حتى إن رأينا بعض الأمور التي قد تشي بتصرف فيه غلو وتطرف.
جنوح بعض الشباب والفتيات، وحالات الهروب من المنازل، وسلسلة الحوادث المرتبطة بالإيذاء الأسري. كل هذه قضايا وأمور نعرفها ونتحدث عنها، لكننا نعتبر أنفسنا في مناطق آمنة وحصينة عن مثل هذه الأمور. لكن شيئا قد يحدث، يجعلك ـــ لا سمح الله ــــ تلامس إحدى هذه الظواهر وتكابدها داخل أسرتك. هنا يأتي السؤال: ما مدى جاهزية كل منا لمواجهة هذا الحدث المرهق للنفس وللروح؟!
هذا السؤال ينبغي أن يلوح في أذهاننا جميعا، كي نضع طوق وقاية لأبنائنا وبناتنا من السقوط بين فكي الإفراط والتفريط.
الاكتفاء باستحضار الصورة المثالية المرسومة في أذهاننا، يجعل صدمة ملامسة الواقع أليمة، وغالبا لا يمكن مواجهتها بالطريقة المناسبة.
إننا كمجتمع نتعرض لحروب مختلفة، بعضها يأخذ الشكل العسكري؛ لكن أغلبها يأخذ منحى ثقافيا واجتماعيا ودينيا. تسويغ المخدرات والمثلية الجنسية والعلاقات خارج نطاق مؤسسة الزواج كلها تفاصيل تقدمها معظم وسائل الإعلام العالمية وحتى بعض العربية باعتبارها مسائل عادية جدا. وفي المقابل تضخ داعش والقاعدة خطابات مفخخة حول ما يزعمونه جهادا ونصرة للدين على الجانب الآخر من صورة الحرب الشرسة ضدنا.
وسط هذا المأزق الحاد، لا يسوغ أبدا أن نرتهن إلى الصورة الذهنية المثالية، بل إن الواجب استحضار وعي معرفي، يجعل بالإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الشاب التائه أو تلك الفتاة المرتبكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي