الحج ودلائل الاهتمام بسلامة الحجاج
الكل يعلم الدور الريادي الذي تقوم به السعودية في خدمة الحرمين الشريفين وبقية المشاعر المقدسة. هذا الدور محفور في عبق التاريخ وحاضره ومستقبله ـــ بإذن الله. ما ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق، أن السعودية حين تضع إمكاناتها المادية والبشرية كافة في سبيل خدمة ضيوف الرحمن تقوم بهذا الدور ليس فقط من باب واجب فرضه وجود الحرمين على أرضها، ولكن من منطلق حب وشغف لتقديم هذه الخدمات لضيوف الرحمن وكجزء من إرثها الديني والتاريخي ومكانتها في قلب العالم الإسلامي. هذه المكانة الرفيعة لبلاد الحرمين الشريفين جعلتها في موقف يحسدها عليه البعض الذين لا يرون إلا النقطة السوداء في الثوب الأبيض. هدفهم ليس النقد لأجل النقد أو الاصطياد في الماء العكر، بل تعكير الماء متى ما سنحت الفرصة لهم. ومع كل محاولات المتربصين بهذه البلاد وأهلها وبحجاج بيت الله الحرام، فقد نجحت السعودية في تحسين وتطوير مستوى الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام ، ولا أدل على ذلك من نجاحها في مشروع جسر الجمرات، ومشروع خيام منى المطورة، ومشروع توسعة المسعى، ومشروع سقيا زمزم، بخلاف مشاريع توسعة الحرمين وغيرها. كما أن السعودية تعمل بصورة مستمرة لكل ما من شأنه ضمان سلامة حجاج بيت الله الحرام. لن أتحدث عن حادث التدافع الأخير الذي وقع في منى، فخادم الحرمين الشريفين قد أمر ولي العهد بتشكيل لجنة عليا للتحقيق حول الحادثة، ولعله بعد إعلان النتائج ستتضح الحقائق للجميع، لذا فلنترك الحديث عنها لحين انتهاء نتائج التحقيق.
لكن ما أريد أن أشير إليه أن البعض إما جهلا وإما عن سوء نية وقصد ذكر أن حوادث الحج تتكرر دون أن تبذل السعودية جهدا ملموسا للحيلولة دون وقوعها. هذا الكلام يعلم عقلاء العالم وخصوصا أبناء العالم الإسلامي عدم صحته بدليل أنه خلال السنوات التسع الماضية، كانت سلامة الحجيج هي الأصل ولم يسبق حادثة التدافع الأخيرة إلا الحادثة التي وقعت نتيجة تدافع الحجيج عام 2006 خلال رمي الجمرات وراح ضحيته 364 حاجا. لا شك أن المشاريع التي قامت بها السعودية أسهمت في الحد من حوادث التدافع والتي كان معظمها يقع بسبب التدافع أثناء رمي الجمرات. فلغة الأرقام وهي غالبا الأصدق تقول إن هذه الحادثة التي وقعت هذا العام تعد الحادثة رقم تسعة من سلسلة الحوادث التي وقعت أثناء موسم الحج. لكن عند تحليل هذه الحوادث التسع نجد أن سبعا منها حدثت في منطقة رمي الجمرات. لذا لم تتكرر حوادث التدافع بعد الانتهاء من مشروع جسر الجمرات الذي أسهم بصورة واضحة في الحد من حوادث التدافع بين الحجيج. قبل عام 2006 كانت حوادث التدافع تقع بشكل شبه سنوي في منطقة الجمرات، فكل الحوادث التي وقعت في أعوام 1994، 1998، 2001 و2003و 2004 و2005 و2006 كانت في منطقة واحدة إلا حادثة واحدة فقط كانت عام 1990 وكانت نتيجة عطل في التهوية ومضى عليها الآن أكثر من 25 سنة ولم يتكرر حدوثها أيضا، ما يدل على أنه تم اتخاذ إجراءات أسهمت في منع تكررها.
لذا ليس صحيحا أن المملكة لم تبذل جهودا لمنع حوادث التدافع بدليل عدم وقوعها منذ تسع سنوات، كما أن أحد أهم أسباب حوادث التدافع تم القضاء عليه بعد إنشاء جسر الجمرات الذي بلغت تكلفت إنشائه 1.7 مليار دولار.
ومع ذلك فإن تطوير مستوى الخدمات المقدمة للحجيج شعار ترفعه كل الجهات المعنية بالحج دون استثناء. استعدادات كل الجهات الحكومية لموسم الحج تبدأ فور الانتهاء من موسم الحج الذي يسبقه. كما أن لكل الجهات الحكومية، وخصوصا وزارة الحج، دورا فعالا لتطوير آلية العمل لديها سواء لحجاج الداخل أو الخارج. كما أن السعودية خصصت معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة لتطوير مستوى الخدمات المقدمة وعمل الدراسات اللازمة لمختلف القضايا التي أسهمت وتسهم في راحة وسلامة حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين. لكننا نتحدث عن موسم الحج الذي يتحدث فيه الحجاج بلغات ومستويات تعليمية وثقافية مختلفة وفي بقعة محدودة المساحة، ومتربصين يحاولون تعكير صفو الحجيج حسدا من عند أنفسهم. كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها تسهم في وقوع حوادث، لكن الأهم أن الأحداث التاريخية وحجم الاستثمارات المرصودة حاليا لتطوير المشاعر المقدسة تدل على أن السعودية تعمل قصارى جهدها لتطوير مستوى الخدمات المقدمة لضيوف بيت الله الحرام ورفع مستوى السلامة في الحج.
أسأل الله أن يتغمد ضحايا حادث التدافع الأخير في منى بواسع رحمته ويتقبلهم شهداء عنده، كما أسأله أن يرزق ذويهم الصبر والسلوان وأن يشفي المصابين ويعيدهم لأهليهم سالمين غانمين، والحمد لله رب العالمين.