رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


صفة «المليونير» المسلم

أختصر تساؤلا وردني من الدكتورة حرير المريفي من نادي الشباب المغاربي في نيس:
"هنا الثروة في الغرب لا تصنع بين الناس فارقا كبيرا، بينما في العالم العربي يكون الفارق هائلا، ويأتي من يقول لنا: "إن الإسلام يسمح بذلك بطبيعة كسب الرزق، فهل هناك تبرير مقنع؟".
وأقول للدكتورة حرير إن الإسلام إذا كان يقر التفاوت، فهو بالقدر الذي يحقق التكامل لا التناقض، والتعاون لا الصراع، ولا سيما أن المثل الأوضح في الإسلام هو التوازن والاعتدال في كل الأمور.
وأود، وأنت أكاديمية وباحثة، أن نضع فارقا منطقيا بين واقع الإسلام الحقيقي التشريعي، وبين الواقع المعاش في العالم العربي والإسلامي، فنحن نستدل بالأول هنا، ونستبعد واقع الحاضر، إلا إن كان مطابقا لنص التشريع، وأحداث الاستدلال في صدر الإسلام.
فمثلا، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عند فتح الشام والعراق، أراد المحاربون قسمة الأراضي المفتوحة -وانتبهي لمسألة الأراضي التي أوجدت إشكالا في واقعنا لا يوافق أصل مقصد التشريع- بحجة أن تلك الأراضي ينطبق عليها حكم الغنائم. إلا أن الخليفة عمر -رضي الله عنه- رفض ذلك، ولماذا رفض؟ رفض لأن امتلاك الأراضي الشاسعة سيؤدي إلى استئثار أقلية بثروات عظمى وهذا سيخل بالتوازن الاقتصادي بين أفراد الناس. وأخذ الصحابة بوجهة نظر الخليفة عمر -رضي الله عنه- بأن حكم الغنائم هو في الأموال المحدودة قيمتها من المنقولات، بخلاف الأمر بملكيات الأراضي المفتوحة فتكون وقفا على المسلمين جميعا، أي كما نقول الآن ملكية عامة للدولة.
وفي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هناك ما نسميهم الآن مليونيرات. فقد كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مليونيرا، وكان كذلك عبدالرحمن بن عوف مليونيرا.. إلا أن في الإسلام شروطا للمليونير منها:
- أنه لا يملك أن يكتنز ماله أو يحبسه عن التداول والإنتاج، بمعنى أنه مطالب باستثمار ماله لمصلحة المجتمع.
- لا يملك أن يصرف على ماله بلا حد مطلق. فعندما يصرف أمواله على غير مقتضى العقل يعد سفيها وجاز الحجر عليه. بمعنى أن الثري مطالب بالرشد في الإنفاق الشخصي.
- لا يملك أن يبطر ويبذر فقد وصف الله تعالى المترفين المبذري الأموال بالإجرام بقوله تعالى "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين".
- وهو مأمور بنص القرآن الكريم أن ينفق ما زاد على حاجته في سبيل الله لقوله تعالى: "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" والعفو هنا تعني الفضل من المال أي ما زاد على الحاجة.
ومؤدى كل ما تقدم أن الأثرياء الذين ينطبق عليهم الوصف الإسلامي مطالبون بالإنفاق فوق الزكاة المفروضة ركنا من أركان الإسلام، ويباشرون ذلك من تلقائيتهم إرضاء لله، ثم خدمة وحبا لمجتمعهم، وهذا ما نسميه الآن المسؤولية الاجتماعية.
إذن الأثرياء في الوصف الإسلامي هم من يستشعرون أن أموالهم أمانة لديهم أودعها الله بين أياديهم، ويسدون بها حاجاتهم وحسن عيشهم بالحق دون استعلاء ومخيلة ودون سرف ولا ترف.. وأن يستثمروه في مصلحة المجتمع لينفعوا وينتفعوا.
وهنا دكتورة حرير يقل الفارق، وتنتهي الفرقة والحسد والكره.
هذا ردي، وأسال اللهَ العفو إن جانبني الصواب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي