مدوس العنزي وغدر الإرهاب
لا يمكن لمقال أن يصف الحادثة البشعة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي للشهيد المغدور مدوس فايز العنزي، على يد ابني عمه اللذين تربيا معه في بيت واحد، لقد هزت هذه الحادثة الموغلة في بشاعتها مجتمعنا، وأصبحت حديث المجالس وتجاوزت كل الأخلاق والقيم والأعراف الإنسانية، وهذا ليس بمستغرب على الفكر "الداعشي" القذر الذي لا يعترف إلا بالقتل والتدمير وإزهاق الأرواح والانقياد الأعمى لأعداء الدين والوطن، فكيف يتجرأ إنسان مسلم على الغدر بابن عمه الأعزل؟ واستدراجه بهذه الطريقة البشعة وقتله تحت أضواء الكاميرات، أي فكر هذا الذي يجعل من الغدر رجولة، ومن قتل الأبرياء بطولة؟ ولكنه الإرهاب الأعمى الذي يجتاح الأفكار والعقول، وتغذيه قوى الشر والإرهاب ولنا مع هذه الحادثة وقفات.
أولا: إن الإرهاب ما زال نشطا وخلاياه تتربص بنا وتتشكل وتختفي حسب الظروف ويجب ألا نركن إلى الأقوال التي يوحي مضمونها بالانتصار، وتغذي روح الاطمئنان لتهيئ الأجواء لمزيد من الخلايا النائمة التي تستغل أمن هذا الوطن وطبيعة المجتمع المسالم لتطعننا بسلاحها الغادر المسموم.
ثانيا: الإرهابي القاتل وشقيقه لم يذهبا للخارج، ولم يتم تدريبهما في معسكرات "داعش" و«القاعدة» وأذنابهما، ولكنهما ضحية التجنيد الإلكتروني الضخم الذي اتخذ من فضاء الإنترنت ومواقع "التواصل الاجتماعي" منطلقا لأهدافه الخبيثة وهذا يقتضي مواجهة هذا التجنيد الضخم بالقوة نفسها، ولا يتحقق هذا إلا بمشاركة جميع الشرائح الاجتماعية من مفكرين وكتاب وأكاديميين ودعاة وباحثين، وعلينا أن ندرك أن معارك التجنيد الإلكتروني تتطلب فكرا متجددا وذكيا ويكفي أن الإحصائيات وثقت أخيرا ما يزيد على 30 ألف حساب في "مواقع التواصل الاجتماعي "تبث سموم التطرف والدعشنة مستهدفة أبناء المملكة باستغلال ضعاف النفوس واصطيادهم وإغرائهم بجميع الطرق دون أن يعي هؤلاء المجندون الأهداف القذرة للفكر الداعشي الذي لا يعرف تعاليم الإسلام السمحة وليس لديهم علاقة به، وهذا ما نلاحظ من هذا الفكر المتطرف.
ثالثا: إن مثل هؤلاء المجرمين القتلة لا يجدي معهم لا نصحا ولا غيره ولابد للحزم أن يقول كلمته، وكم ردع السيف نفوسا مليئة بالشر والإجرام بعد أن رأت قوة الدولة، وهيبة القضاء، وصدق الأمر، ولا يهمنا هؤلاء الذين يتباكون ويبررون فهم شركاء في الجريمة بصمتهم أحيانا وبتبريرهم أحيانا!
رابعا: خلال السنوات الماضية كان هناك حراك كبير لمراجعة الخطاب الديني وبعض المناشط التعليمية للتحقق من إغلاق كل الثغرات التي ممكن أن يستغلها المتطرفون لتبرير تصرفاتهم الحمقاء، ولكن أرى هذا الحراك قد خف وهجه والمصلحة العليا تقتضي أن تستمر المراجعات، وإغلاق كل الثغرات، فالمعركة طويلة وشرسة مع عدو غادر فاجر.
أخيرا: رغم أن الإرهاب لا يبرر ولكن من ضمن إغلاق الطرق إليه الاستمرار في دعم فرص التوظيف، والتأهيل العلمي بشكل مضاعف، وقد قرأت أن هذا الإرهابي القاتل تخرج من الثانوية العامة ولم يقبل في الجامعة وبقي عاطلا سنتين.
وهنا كانت الثغرة التي نفذ منها الأعداء إليه ليجندوه ضد وطنه وأهله بهذا الشكل المؤلم، مستغلين قلة تعليمه وضعف ثقافته.