رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حفلة الجنون في سورية

بروباغاندا تقسيم سورية أصبحت أخيرا حديث الصحافة والدبلوماسية الدولية، ومن بين ذلك تصريحات بعض القادة العسكريين الأمريكيين. إلا أن ذلك يبدو مستحيل الحدوث لأسباب. منها أنه لا يرجح أبدا أن يرحب المجتمع الدولي بتقسيم سورية، وذلك للأسباب نفسها التي رفض فيها تقسيم العراق. ومن بين ذلك الموقف التركي الصارم بشأن التقسيم، الأمر الذي قد يطول أقلياتها. فهل تكون فكرة التقسيم ضغطا على تركيا؟ يعتقد كثير من المحللين الغرب أن قيام دويلات طائفية في المنطقة، سواء منحدرة من سورية أو العراق سيفاقم الإرهاب، وسينعكس بالتالي سلبا على المصالح الغربية في المنطقة وعلى رأسها أمن إسرائيل، لذا فإن فكرة المحاصصة الطائفية على غرار لبنان وسورية قد تعد مشروعا أضمن. هناك بعض الأفكار التي تقول إن تقسيم سورية هو الخيار الأنسب لوقف العنف. إلا أن مضمون الفكرة ليس سوى محاولة تسوية لمواقف المتنازعين من خارج سورية في شأن سورية. وهذا ليس سوى ترجمة لفشل ذريع. تهجير السوريين وتقسيم سورية هو بلا شك نهاية الدولة وتفاقم خطر الفيدراليات المنقسمة على نفسها وعلى المنطقة.
إن أي فكرة تدعو لتقسيم سورية تعني تقسيم العراق أيضا. هذا الأمر يذكرنا بوضع العراق قبل سنوات، حتى جاء تقرير بيكر هاملتون عام 2006، الذي اعترف بالفشل وحذر من مخاطر التقسيم والحرب الطائفية في المنطقة. في ظل الأزمة المستعصية، تتحول سورية إلى قطعة بازل معقدة وصعبة الحل. في الحقيقة كل السيناريوهات صعبة: التقسيم والإبقاء. إلا أن التقسيم كالوحش الذي يقطع رأسه فتنبت له عدة رؤوس. فإذا كان الإبقاء على الدولة سيشهد صعوبات منها مسألة تعايش السوريين فيما بينهم بكل المكونات الطائفية والقومية، وذلك بعد خمس سنوات من الحرب الدامية التي مزقت البلاد وزرعت عدم الثقة بين جميع الطوائف والجماعات، فضلا عن داخل الطائفة والجماعة الواحدة. هذا من جهة ومن جهة أخرى سيطرة الميليشيات المتناحرة و«داعش» على بعض المناطق. التقسيم يعني تهجير الطوائف والعرب والأكراد من مواقعهم وهذا غير ممكن. والتقسيم يعني أن تعيش هذه الدويلات في تجاور عدواني خطير من الداخل والخارج. هذا بالطبع عدا الجوانب الاقتصادية المتفاوتة والمعقدة أيضا.
الحل السياسي يبدو مستحيلا مع تفاقم الوضع الميداني. فهل يكون تقسيم سورية مجرد تقسيم افتراضي مؤقت بهدف السيطرة وضمان الولاءات المحيطة؟ يترجم ذلك ما فعله الأسد من إعادة لتشكيل المحافظات أخيرا. يتزامن ذلك والتدخل الروسي الذي نقل المواجهة في سورية إلى مستوى متقدم بقاعدة عسكرية في اللاذقية. التدخل العسكري الروسي حول بالفعل مسار المواجهة، إذ يشبه في ظروفه وتداعياته التدخل الأمريكي في العراق، لكن مع لاعب جديد هذه المرة تبعا لأولوية المصالح. أما السؤال هنا فهو هل حصلت روسيا على ضوء أخضر من أمريكا؟ ولا سيما أن الأخيرة عبرت عن قلقها دون ضجيج. شلل الإرادة الأمريكية في سورية وعدم القدرة على التنبؤ أو ضمان النتائج وفشل برنامج تدريب مقاتلين معارضين معتدلين للأسد، كل ذلك بسبب تداخل وتعقد الاستراتيجية، تلك التي أرادت من خلالها الوصول إلى أهداف عدة في طريق متاهة واحدة. إلا أنه ورغم كل ذلك، فالأمر ليس سوى حفلة من الجنون لم تبدأ بعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي