رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأضحية .. قيمة اجتماعية واقتصادية

منذ أن فرض المولى -سبحانه وتعالى- الهدي على نبينا إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، وأمة التوحيد يتسابق المقتدرون منها إلى تقديم الأضاحي، والهدي استجابة للدعوة الربانية، طمعا في الثواب منه تعالى، وتقربا إليه، وسعيا إلى تقوية التقوى بالفعل المصدق للقول "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم". فالأضحية مع ما ينال صاحبها من أجر، إلا أن أثرها الاجتماعي كبير، إذا طبق هديه -عليه الصلاة والسلام- حيث وجه بأن يأكل صاحب الأضحية ثلثها، ويتصدق بثلثها، ويهدي الثلث الآخر.
ما من شك أن في العالم الإسلامي فئات تعاني فقرا مدقعا، تمر عليها شهور، إن لم يكن سنون لا تذوق طعم اللحمة، ولا تشم رائحتها في منازلها، ولذا فإن القيمة الاجتماعية للأضحية تظهر في قيمة التكافل الاجتماعي الذي يتحقق خلال المناسبة، بشرط أن يحس المضحون، والمقتدرون من المسلمين بالدور الذي تحققه الأضحية في تقوية وتعزيز الأواصر الاجتماعية متى ما شعر الفقراء بالفرحة مثلهم مثل الأغنياء والمضحين.
في كل مجتمع من مجتمعات المسلمين يوجد أغنياء، أنعم الله عليهم بالمال، وبفعل الخير، كما يوجد فقراء يعانون قلة ذات اليد، ما يحول بينهم وبين ممارسة شعيرة الأضحية لأنهم لا يجدون المال الكافي لها، ولذا فلهم حق شرعي من الأضحية، على أقاربهم وجيرانهم، ومعارفهم، حتى يشعروا بلذة العيد، وطعمه الحقيقي، وفي هذا تقوية للأواصر الاجتماعية، كما سبقت الإشارة، لكن الاعتماد على آلية التوزيع والصدقة وفق المعرفة قد لا يكون كافيا للوصول إلى مستحقي صدقة الأضحية، ولذا تتفاوت خبرات العالم الإسلامي في هذا الشأن، ففي بعض الأوطان خاصة في المدن الكبيرة يضحي البعض في أماكن مجاورة لمساجد في الأحياء ومخصصة لهذا الغرض، ويأتي الفقراء إلى هذه الأماكن لأخذ نصيبهم مما يجود به المضحون عليهم، ومع أن هذه الآلية تسهل الوصول إلى المحتاجين إلا أن فيها خدشا لمعنويات المحتاجين وكرامتهم، إضافة إلى عدم حصول المتعففين على شيء.
من التجارب الواجب الإشارة إليها الدور الذي تقوم به الجمعيات الخيرية في الأوطان والمدن التي توجد فيها، كما في المملكة، إذ إن الجمعيات الخيرية لديها قوائم بالمحتاجين، حسب الأحياء، وما يصلها من أضاحٍ تقوم بتوزيعه، حسب الحاجة، وحجم الأسرة.
مع ما شهده العالم من تطور في عمليات التواصل بين الأوطان، والمجتمعات الإسلامية، وما رافق ذلك من تسهيلات في التحويلات المادية، إضافة إلى اليسر الشرعي في التوكيل وُجد ما يمكن تسميته بالأضحية العابرة للحدود، إذ تتولى جهات رسمية في بعض الأوطان تسلم المبالغ المالية من الراغبين في بعث أضاحيهم إلى الخارج وتقوم بتحويلها إلى جهات معتمدة ومعتبرة في الجهات المستهدفة لتتولى شراء الأضاحي وذبحها ومن ثم توزيعها على المستحقين.
لعل أبرز المشاريع التي تنفذها المملكة منذ فترة مشروع الهدي والأضاحي، الذي شمل كافة الأوطان الإسلامية والتجمعات المسلمة المحتاجة أينما كانت، وفي هذا رسالة تؤكد من خلالها المملكة أن يد الخير الحانية تصل إلى المحتاجين من المسلمين.
قيمة الأضحية لا تقتصر على الجانب الاجتماعي المعزز لشعور الأخوة، بل إن في هذه الشعيرة دورة اقتصادية تستفيد منها فئات عدة بدءا من مربي الماشية، إلى تجارها، والوسطاء، وأصحاب الأعلاف، والمزارعين، وأصحاب النقل، والجزارين، ومع أن بعض المهن المرتبطة بالأضحية موسمية، إلا أنها ذات مردود مادي جيد على أصحابها، نظرا للحاجة الماسة إلى من يقوم بهذه المهن، وكثرة الطلب عليهم في الموسم.
لا أشك أن في العالم الإسلامي خبرات وممارسات حميدة مرتبطة بالأضحية سواء فيما يتعلق بكيفية إيصالها إلى مستحقيها، أو في الاستفادة من كل شيء في الأضحية مثل الجلود والأصواف وبقية الأجزاء الأخرى التي ربما يتم رميها وعدم الاستفادة منها، فالأصواف والجلود من الممكن أن تُنشأ لها مصانع يعمل فيها المهتمون بهذه الصناعات والباحثون عن عمل، إضافة إلى إنتاج ما يحتاج إليه من ملابس وأحذية، وأثاث واحتياجات منزلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي