هل «نظم المعلومات» تخصصات بلا هوية؟

قبل الخوض في صلب الموضوع نريد أن نستعرض أساسيات نظم المعلومات من حيث التعاريف والمكونات وآلية العمل. هناك عدة تعاريف للنظام System وإن كانت مختلفة لفظيا إلا أنها تدور حول نفس المعنى. البعض يرى أن النظام عبارة عن "مجموعة من العناصر المتداخلة والمعتمدة على بعضها البعض تُرى كوحدة واحدة". آخرون يرون النظام عبارة عن "مجموعة من الأجزاء - بمن فيها الأفراد- الذين يعلمون معا بشكل منظم في تفاعل مستمر للوصول إلى نهاية محددة، أي أن النظام أسلوب تفكير للتوجه نحو تحقيق الأهداف". وبهذا يمكن القول إن النظام عبارة عن مجموعة من الأجزاء التي جُمعت مع بعضها البعض أو بالأحرى صُممت لخدمة مهمة واحدة أو لتحقيق هدف بعينه يصعب تحقيقه بدون هذه الأجزاء مجتمعة. فالكون نظام، والمدرسة نظام آخر، والسيارة نظام، والشركة نظام، وهذه الأنظمة قد تدخل كأجزاء في أنظمة أكبر منها بمعنى أن النظام قد يكون جزءا من نظام أكبر منه. وقد اتفقت الأدبيات على أن أي نظام يتكون من عناصر أساسية وهي:
- المدخلات Inputs وهي عبارة عن مواد خام وعدة عمليات تدخل في النظام.
- التشغيل Process وهي عبارة عن طرق وأساليب وتفاعلات تحدث داخل النظام.
- المخرجات Outputs وهي عبارة عن نتائج التشغيل التي حققها النظام.
من هذه المكونات يتضح أن للنظام بداية وهي المدخلات ونهاية وهي المخرجات وفي التشغيل يتم تحويل المدخلات إلى مخرجات. فلو نظرنا إلى السيارة كنظام فإن المدخلات هي عبارة عن الوقود والزيت والماء تتفاعل كل هذه (عمليات أو تشغيل) ما يؤدي إلى احتراق الوقود داخل محرك السيارة فتسير وتخرج من العوادم. وكذلك الأمر لكل نظام في هذا الكون، فجسم الإنسان نظام، والكون نظام، وجهاز الحاسب نظام.
إذا هذا هو النظام، فما نظام المعلومات؟ البعض عرف نظام المعلومات Information System بأنه "مجموعة منظمة من الأفراد، والمعدات، والبرامج، وشبكات الاتصالات، وموارد البيانات التي تقوم بتجميع، وتشغيل، وتوزيع المعلومات لمساندة اتخاذ القرارات والتعاون والرقابة داخل المنظمة"، وبهذا فإنه يمكن القول إن نظام المعلومات يتكون من أشخاص، وسجلات، وبيانات، وعمليات يدوية وغير يدوية تتم معالجتها لتنتج معلومات. كما أن نظام المعلومات عبارة عن مجموعة من العناصر المتداخلة التي تعمل مع بعضها بعضا، لجمع، ومعالجة، وتخزين، وتوزيع المعلومات المتوافرة عن موضوع ما لدعم اتخاذ القرار.
وتهتم نظم المعلومات بتطوير واستخدام وإدارة البنية الأساسية لأنظمة المعلومات في المنظمات. حيث إن هذا هو عصر المعلومات الذي يلي العصر الصناعي عندما تحولت الشركات من الاعتماد على المنتجات إلى الاعتماد على المعرفة، بمعنى أن العاملين في السوق اليوم يتنافسون على المعلومة عوضا عن المنتج. ولكي تكون الشركة قادرة على المنافسة يجب أن تمتلك بنية أساسية قوية للمعلومات.
لو طبقنا مكونات النظام السابقة الذكر على نظام المعلومات فإننا يمكن أن نرى أن نظام المعلومات يتكون من مدخلات وتشغيل ومخرجات أيضا. فالمدخلات في نظم المعلومات يطلق عليها بيانات Data والمخرجات يطلق عليها information والتشغيل يحمل نفس المسمى Process لأنه الجزء من النظام الذي يقوم بتحويل البيانات إلى معلومات، وبهذا فإن مهمة التشغيل في نظم المعلومات تتمثل في تحويل البيانات Data التي هي عبارة عن مجموعة من الأجزاء المتناثرة التي ليس لها معنى إلا معلومات information وهي عبارة أشياء لها قيمة تفيد مستخدميها.
وهناك عديد من أنظمة المعلومات مثل نظم المعلومات الإدارية، ونظم المعلومات المحاسبية، ونظم إدارة قواعد البيانات، ونظم المعلومات التسويقية ونظم المعلومات الجغرافية ونظم استرجاع المعلومات (نظام المعلومات الببليوغرافي).
ورغم الكم الهائل من أنظمة المعلومات والتعاريف النظرية والمناقشة الفلسفية المتعددة والأهمية الكبيرة التي حدثت لهذا المفهوم إلا أن أنه ضل الطريق ولم يعد يمارس عمله كما كان مخططا له بسبب بعض المعوقات التي واجهته، من أبرزها تزاوج نظم المعلومات بالتقنية، ما أبعد نظم المعلومات عن جوهر عملها. فلقد كان المتخصصون في نظم المعلومات يصممون أنظمتهم بطريقة تقليدية تفيد مستخدمي المعلومات وبطرق غاية في البراعة بدون وجود التقنية. وقد ظهر عدد كبير من المتخصصين في هذا المجال الذين قاموا بتخزين، وتحليل، وجدولة البيانات، كما أن هناك نماذج متعددة ساعدت على تصميم نظم المعلومات، وظل هذا التطور في أنظمة المعلومات حتى دخلت التقنية، فتحول الوضع من الاهتمام بنظام المعلومات كعلم وتصميمه إلى الاهتمام بالتقنية ذاتها التي تعد هنا أداة مساعدة ليس إلا، حتى فقدت نظم المعلومات هويتها لدرجة أن المتخصصين في التقنية أصبحوا هم الذين يصممون أنظمة المعلومات، في حين إن وظيفتهم الأساسية تقتصر على الجانب الفني حسب متطلبات النظام.
وقد أكد هذا عدد من منظري نظم المعلومات أمثال هاربر (1998:93) حيث يقول "دراسة أنظمة المعلومات لا تعني دراسة الحاسبات، إنها تعني دراسة كيف يمكن للمنظمة الاتصال بالمعلومات ومعالجتها حتى تزيد من فاعلية الإدارة والأهداف الأخرى للمنظمة"، ويرى هاربر أيضا أن المنظمات لم تعط أنظمة المعلومات الأهمية اللازمة إلا بعد أن بدأت تأخذ الحاسبات في عين الاعتبار. ونريد أن نخلص من كل هذا فنقول إن السبب الجوهري لفقد أنظمة المعلومات هويتها يتمثل في أن الأهمية القصوى أصبحت تنصب على الحاسبات والبرامج دون أنظمة المعلومات كتصميم وكنماذج.
نتمنى من المتخصصين في هذا العلم المهم للغاية أن يبذلوا مزيدا من أجل أن يفصلوا بين نظريات ونماذج نظم المعلومات وبين الوسائل التقنية والبرامج الحاسوبية حتى تتضح معالمه، وتكون له هوية، فالجامعات تعاني تصنيفه، فبعض الجامعات تصنف نظم المعلومات تحت مظلة كليات الأعمال والبعض الآخر يرى أنها جزء من كليات الحاسب، وكل هذه اجتهادات أفقدت نظم المعلومات ليس فقد هويتها، بل انتماءها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي