رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دوافع قبول اللاجئين

شهدت الفترة الأخيرة تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين على أوروبا، الذين خاطر معظمهم بكل ما يملك لكي يصل إلى بلدان معينة. ورحبت بعض الدول الأوروبية باللاجئين، وأبدت دول أخرى امتعاضا شديدا من تدفقهم عبر حدودها. وأظهرت ألمانيا والسويد استعدادا أكثر من غيرهما من الدول لقبول اللاجئين، بينما جاءت دول أوروبا الشرقية وفي مقدمتها المجر على رأس الدول غير المرحبة، بل والمتعاملة بشراسة مع تدفقهم عبر حدودها، على الرغم من أنهم لا يرغبون البقاء فيها.
وتلعب العوامل السياسية والثقافية والإنسانية دورا كبيرا في قبول المجتمعات للغرباء "المهاجرين واللاجئين". ويختلف اللاجئ عن المهاجر في أسباب الانتقال أو الهجرة إلى دول أخرى، حيث يدفع الإنسان للالتجاء إلى بلد أو مكان آخر أسباب غير اقتصادية وعادة ما تكون أمنية، بينما يهاجر معظم الناس لأسباب اقتصادية. وتبدي معظم المجتمعات تعاطفا مع اللاجئين الذين يحاولون النجاة بحياتهم وحياة أسرهم من ويلات الحروب وقساوة الطغاة وظلمهم واضطهادهم لشعوبهم أو الشعوب التي اكتوت بنيرانهم، بينما تختلف المجتمعات بدرجة قبول المهاجرين لأسباب اقتصادية.
ويلاحظ على الدول التي رحبت باللاجئين مثل السويد وألمانيا كونهما دولتين متقدمتين وغنيتين وقويتين اقتصاديا وصناعيا، كما أنهما تملكان تجارب تاريخية جيدة في قبول المهاجرين في السابق. فقد شهدت فترة الخمسينيات من القرن الماضي ترحيب ألمانيا بقدوم مئات الآلاف من الأتراك وغيرهم للعمل فيها، بعد أن أدت الحرب العالمية إلى فقدانها ملايين الرجال من شعبها. وقد اندمج المهاجرون في المجتمع الألماني وأسهموا في نهضته ونموه الاقتصادي القوي والمتميز خلال العقود الماضية. وترحب السويد مثلها مثل ألمانيا بالمهاجرين لأسباب إنسانية أيضا، ولكن بأعداد أقل. وما زالت السويد وألمانيا ترحبان بالمهاجرين للعمل والإقامة واكتساب الجنسية. وتتمتع هاتان الدولتان بمعدلات ناتج مرتفعة للفرد، كما أن معدلات البطالة منخفضة في ألمانيا (4.7 في المائة) ومعتدلة في السويد (6.4 في المائة). ويوجد في هذين البلدين خصوصا ألمانيا مؤسسات صناعية قوية ولديهما ميزات تنافسية كبيرة في التصدير. وعادة ما تكون اليد العاملة في البلدان المرحبة بالمهاجرين واللاجئين مدربة تدريبا جيدا، ولهذا فعلى العمالة المهاجرة أو اللاجئة إما أن تعمل في مجالات غير مرغوبة من العمالة المحلية، أو أن ترتقي بمهاراتها وكفاءتها في العمل إلى مستوى العمالة المقيمة.
ويرحب عديد من الدول بقدوم العمالة الشابة، لأن هناك تراجعا في نسبة شريحة الشباب إلى إجمالي سكانها، ومعاناتها من النمو الطبيعي السكاني السلبي. وستشهد العقود المقبلة تراجعا في نسبة الشرائح السكانية الشابة وفي نفس الوقت زيادة كبيرة في نسبة كبار السن والمتقاعدين في عدد من الدول الأوروبية المتقدمة ومنها ألمانيا والسويد. وستتصاعد احتياجات هؤلاء ـــ مع مرور الوقت ـــ للرعاية وتحويلات التقاعد المالية، وفي الوقت نفسه سيتراجع حجم قوى العمل بسبب التغيرات السكانية، ما يتطلب اتخاذ إجراءات استبقاية قبل استفحال أوضاع المالية العامة. وسيساعد فتح باب الهجرة لقوى العمل الشابة في الوقت الحالي والعقود المقبلة في التصدي لهذه الظاهرة المتوقعة، ويحول دون استفحالها. وستقود هجرة الشباب إلى توفير درجة من الاستقرار بين شرائح السكان العمرية، وستوفر مصادر مالية مستقبلية تساعد على سد فجوة الإيرادات المالية التي ستنتج عن النمو السكاني الطبيعي السلبي. وسيوفر قدوم أياد عاملة شابة إيرادات إضافية للصرف على مخصصات رعاية المتقاعدين وكبار السن مع مرور الزمن.
ويتميز جزء كبير من العمالة المهاجرة والمرغوب فيها عادة بأنها شابة ومتعلمة ولديها حوافز قوية من أجل العمل والادخار وتحمل المخاطر. وقد خاطر معظم اللاجئين أخيرا بحياتهم للوصول إلى البلدان التي يرغبون الإقامة فيها. وسيسهم اللاجئون المتلهفون للعمل والادخار وتحمل المخاطر في تحفيز الاستثمار والإنتاج والتطور التقني في هذه الاقتصادات. وإضافة إلى ذلك سترفع تدفقات المهاجرين واللاجئين قنوات التواصل والتجارة بين البلدان، وتدفق الأموال والعمالة، وتزيد من التنوع الاجتماعي. وستعزز هذه العوامل معدلات النمو الاقتصادي في الدول المصدرة والمستقبلة للمهاجرين. وقد أسهم المهاجرون في الولايات المتحدة "أي المقيمون المولودون خارج أمريكا" مثلا في ولادة نسبة كبيرة من شركات ومشاريع التقنية. وتذكر بعض المصادر أن ربع براءات الاختراع في الولايات المتحدة ونصف الشركات الجديدة في وادي السيليكون في أمريكا قامت على أيادي مهاجرين. ومن أبرز الشركات التي أسسها مهاجرون أو أسهموا في تأسيسها شركات أبل وإنتل وجوجل وياهو. كما يحصل العلماء والكتاب والرياضيون المهاجرون على نسبة كبيرة من جوائز نوبل والميداليات التي تفوز بها الولايات المتحدة. وترحب كثير من بلدان العالم بالمهاجرين، لأن لديها وجهة نظر طويلة الأجل لدعم النمو المستدام، كما أن مجتمعاتها وأنظمتها السياسية والقانونية والتشريعية قوية ومستقرة، ولا تخاف كثيرا على هويتها، وتتقبل تعدد الثقافات، وهي على ثقة باندماج جموع اللاجئين والمهاجرين في هذه المجتمعات، كما حصل في المرات السابقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي