لماذا تطول الأزمات والحروب؟
عندما تنشب أزمة أو صراع أو حرب أو معركة، يحاول كل طرف فيها تخفيف أعبائها وتكاليفها وتأكيد أنها لن تستمر إلا وقتا قصيرا وستكون نتائجها مرضية إيجابية.
مشكلة الأزمات هي أننا نعرف كيف نبدأها ولكن قلما نعرف أن ننهيها، وأحيانا لا وسيلة ولا حول ولا قوة لنا لوضع أوزارها حتى لو أردنا ذلك.
والأزمات في عصرنا هذا شأنها شأن الأزمات في مختلف العصور منهكة، ذات نتائج كارثية.
بيد أن عصرنا هذا فاق كل العصور في "كارثية" أزماته. اليوم وسائل التدمير والقتل التي نمتلكها فتاكة جدا وتحدث تدميرا هائلا في فترة قصيرة من الزمن (لحظات) ما لم يكن باستطاعة إمبراطوريات قديمة جبارة القيام به في قرن واحد من الحروب المستمرة.
وتصورنا كبشر أن زيادة القوة التدميرية لدى الأطراف المتصارعة سيؤدي إلى توازن ردع أو رعب. وكبشر تصورنا أننا عقلاء وحكماء وتعلمنا الدرس الذي مفاده أن كل حرب نشنها أو معركة ندخلها لا بد أن يكون الضرر والتدمير والخسارة متبادلة.
والتدمير والخسارة المتبادلة عقليا ومنطقيا وفكريا وفرضيا ونظريا أساس الردع.
بيد أن الإنسان مهما تطور وتقدم وحسّن من أسلوب حياته وارتقى بمعرفته وأسس لمفاهيم إنسانية سامية تؤمن الحقوق والواجبات، يبقى قاصرا في كثير من الأحيان عن إدراك أو ممارسة هذه المفاهيم بصورة سليمة.
هذه الفرضية يبدو لا مناص منها في كثير من المواقف. إننا كبشر برهنا ونبرهن أننا في أغلب الأحيان أبعد ما نكون عن المثاليات والأخلاق التي ننادي بها. ندرسها وندرسها ونكتبها على الحيطان ولوحات الإعلانات وجدران المدارس، ولكن عند الممارسة وحين تحين ساعة الحقيقة قد نجعل منها وسيلة وحجة للقتل والتدمير.
وحتى الذي نقول إنه أتانا من السماء قد نمده ونمطه للاستمرار في الذي نحن فيه من تدمير وقتل. أغلب الأزمات والحروب المدمرة في أوروبا مثلا أساسها فكري ديني أو مذهبي. والحروب والأزمات في الشرق الأوسط دارت وتدور رحاها على خلفيات دينية أو مذهبية.
وهذا أيضا ينطبق إلى حد ما على الحروب بين الشرق والغرب لا سيما في الألفي سنة الماضية.
والفرضية هذه بالإمكان البرهنة عليها من خلال أحداث كثيرة ما زالت ضمن ذاكرة القراء، أي أن بعضهم ربما عاشوها بمأساتها.
والفرضية أيضا لها بعض الاستثناءات.
لا نستطيع التعميم دائما عندما نتحدث أو نبحث أو نمتحن ظاهرة اجتماعية. والحروب والأزمات والصراعات ظواهر اجتماعية.
الحرب العراقية - الإيرانية كانت حربا عبثية مدمرة بكل ما للكلمة من معنى. هلك أكثر من مليوني شخص فيها في ساحة المعركة وخرج البلدان منها منهكين وإلى اليوم نستطيع القول إن شعوبهما المغلوبة على أمرها ضحية هذه الحرب.
والفرضية لا تميز بين القوي والضعيف. الدولة الأعظم في العالم تشن حربا على دولة ضعيفة وفقيرة جدا إلى درجة أن غالبية سكانها حفاة، لا يعرفون ما هي الكهرباء ولم يرفعوا سماعة الهاتف ولم يشاهدوا شاشة التلفاز.
رغم القوة التدميرية الجبارة التي تمتلكها هذه الدولة، قد لا تعرف كيف تنهيها، والحرب في أفغانستان خير مثال.
أحيانا كثيرة نتصور أننا من خلال أزمة أو حرب أو صراع سنغير الوضع لمصلحتنا، وما إن تنقشع غيوم المعركة حتى تتلبد سماؤها بغيوم أكثر دكنة مثيرة للخوف والرعشة في القلوب إلى درجة يترحم الناس فيها على الوضع السابق.
اليوم كثير من العراقيين يترحمون على الفترة السابقة ويتمنون عودتها رغم أن بعضهم ساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في القضاء عليها.
هل هناك استثناءات لهذه الفرضية؟ بالتأكيد لأن هذا حال كل الظواهر والفرضيات الاجتماعية.
خذ أوروبا مثلا. بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت فاجعة إنسانية ربما لم ولن تشهد البشرية رعبا بحجمها، تعلم الأوروبيون درسا قاسيا، ولو إلى حين.
أسس الدرس هي العمل بجدية لحل المشكلات والصراعات والحروب التي تدور رحاها في أراضيهم بأسرع ما يمكن.
وسبب محاولة الأوروبيون حل صراعاتهم بأسرع ما يمكن بعد الحرب العالمية الثانية هو أن شقا من الفرضية هذه يقول كلما طال أمد أزمة أو حرب صار من الصعوبة بمكان حلّها.
ولأن الغرب يرى إسرائيل جزءا من أرضه لا بل وطنه، تهرع دوله لوضع حد لأي حرب أو معركة تدخلها الدولة العبرية. وهكذا ترى أن كل الحروب التي كانت إسرائيل طرفا فيها، لم تستمر إلا أياما أو أسابيع معدودة.
أما الآخرون فلسان حال الغرب يقول: "دعنا نحاربهم مهما طال الزمن ولكن من الأفضل أن يحاربوا هم أنفسهم حتى يخسروا جميعا".