«كورونا» .. المطلوب تكامل جهود جميع القطاعات

سبق أن كتبت عن "كورونا" قبل سنة ونصف السنة عبر "الاقتصادية" ما يلي "باختصار، كورونا نموذج لغياب السياسات الصحية الواضحة. فمثلا لم يكن هناك تعاون بين وزارة الصحة وكل الجهات الصحية الأخرى في كيفية التعامل مع فيروس كورونا، ما يدل على غياب النظام الصحي التكاملي". بعد هذا المقال أخذ فيروس كورونا يتجول بين مختلف مستشفياتنا. هذا التجول لكورونا لم يكن مصادفة بل نتاج لعدم التعامل بجدية مع هذا الفيروس منذ نشأته ومن ثم التأخر في وضع سياسة صحية موحدة على مستوى البلاد لكيفية القضاء عليه أو الحد من انتشاره. لا شك أن بعض القطاعات الصحية الأخرى مسؤولة عن توفير الرعاية الصحية لمنسوبيها كوزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني وغيرها، لكن هذه المسؤولية لا تعفي وزارة الصحة من مسؤوليتها نحو الصحة العامة. الوزارة تأخرت كثيرا قبل أن تفرض أخيرا إجراءات وسياسات صحية ملزمة.
كورونا لا يعرف القيود والفروقات الإدارية والتنظيمية بين مستشفياتنا. كورونا لا يعرف اختلاف المرجعيات التنظيمية والإدارية بين المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والمستشفيات التابعة للجامعات أو لوزارة الدفاع أو الحرس أو مستشفيات القطاع الخاص. لذا أخذ هذا الفيروس بالتجول في مستشفى الملك خالد الجامعي ثم حاول بعد ذلك أن يقتحم مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث وبعض مستشفيات وزارة الدفاع. لكنه حط رحاله أخيرا في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني. اللافت أن دخوله مدينة الملك عبد العزيز الطبية كان بشراسة. هناك عديد من العوامل التي أسهمت في زيادة الإصابات بهذا الفيروس في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني منها:
أولا: كبر حجم قسم الطوارئ في الحرس الوطني والذي يعتبر من أكبر أقسام الطوارئ على مستوى المملكة. فالموقع الجغرافي لمدينة الملك عبد العزيز الطبية كأول بوابة صحية من جهة شرق مدينة الرياض جعل من مدينة الملك عبد العزيز بوابة أولى للتعامل مع عديد من الحالات الإسعافية خصوصا حوادث السيارات الواقعة على طريق الدمام السريع. إضافة إلى أن المدينة الطبية تستقبل عديدا من الحالات من غير منسوبي قطاع الحرس الوطني كجزء من مشاركتها في تقديم الرعاية الصحية للمواطنين عموما.
ثانيا: تقع مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالقرب من سوق الجمال. فلا يتجاوز بعد السوق مسافة عشرة كيلو مترات تقريبا عن المدينة الطبية. هذه الحقيقة زادت من فرص زيادة الإصابة بكورونا لقرب مدينة الملك عبد العزيز الطبية من أحد مصادر تصدير المرض إن صحت العبارة.
ثالثا: غالبية سكان المنطقة التي تقع فيها مدينة الملك عبد العزيز الطبية من أصحاب الإبل ومن أهل البادية ما يجعلهم عرضة للإصابة بالفيروس أكثر من غيرهم لقربهم من مصدر الفيروس.
أضف إلى ذلك قلة وعي الناس في التبليغ عن الحالات المصابة أو المختلطة مع الحالات المصابة. فعندما يتم تأكيد إصابة مريض بكورونا، فإن محاولات الأطباء إحضار من خالط المريض من أقارب أو غيرهم لإجراء الفحوص اللازمة غالبا ما يواجهها رفض من ذوي المرضى المصابين.
كما أن هناك أخطاء من قبل الممارسين الصحيين تكمن في عدم تقيدهم بالتعليمات التي أصدرتها وزارة الصحة بالتعاون مع القطاعات الصحية الأخرى حول كيفية التعامل مع الحالات المشتبهة أما بسبب عدم معرفتهم بها أصلا أو معرفتهم لكنهم لم يلتزموا بها. هذه الممارسات الخاطئة ليست محصورة في كورونا وإنما بمفهوم النظام والالتزام به.
هذه العوامل تشرح جزئيا ضعف السيطرة على كورونا بينما نجحت كوريا الجنوبية في التعامل مع كورونا. ولعل الأسباب التي أسهمت في انحسار فيروس كورونا في كوريا الجنوبية، تعود إلى سرعة الاستجابة والجدية في احتواء الحالات المصابة وأخذ عديد من الخطوات الاحترازية والوعي العالي لسكان كوريا الجنوبية. كما أن مصدر الفيروس - وهي الجمال- ليس لها تواجد في كوريا ما مكن السلطات الكورية من حصر الحالات المصابة وتحديد أماكن تواجدها. كما أن المرجعية الصحية الموحدة لكوريا الجنوبية وفقا لنظامها الصحي سرعت من التحكم في الفيروس كبلد كامل وليس كقطاعات متجزئة ومختلفة التنظيمات الإدارية.
لا شك أن لسرعة الاستجابة مع الحالات المرضية المعدية سواء كورونا أو غيره، دورا كبيرا في السيطرة عليه ومن ثم القضاء عليه بإذن الله. ولعلي أشرح أهمية هذه الجزئية عبر المثال الآتي: لو أن طائرة أصيب ركابها بمرض معد وتم اكتشاف المرض وهم على متن الطائرة وقبل وصولها. فلا شك أنه ستتم السيطرة عليه فور وصول الطائرة المطار. لكن لو أن المرض المعدي تم اكتشافه بعد أن حطت الطائرة في بلد الوصول بيوم أو يومين، فلا شك أنه يمكن السيطرة على الحالات المصابة لكن قد يأخذ تعقبها وقتا أطول من الحالة الأولى.. لكن لو أن المرض تم اكتشافه بعد شهر من وصول الطائرة للمطار الآخر، فلا شك أن تعقب الركاب وتحديد من خالطوهم خلال هذه الفترة صعب جدا. هذا بالضبط ما حصل مع كورونا. فتأخر التعامل مع الحالات ليست فقط المصابة بل المتوقع إصابتها بالفيروس أسهم في انتشار الفيروس وصعّب من مهمة التحكم في انتشاره. كما أن العادات الاجتماعية في السلام والخلطة دور في سرعة انتقال الفيروس بين الناس.
الإجراءات التي اتخذتها الشؤون الصحية بالحرس الوطني أخيرا قرارات جريئة ومشكورة ومهمة كإغلاق الطوارئ والعيادات الخارجية وغيرها من الإجراءات الاحترازية. هذه الإجراءات ستسهم بمشيئة الله في دحر تواجده في مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني.
ختاما أرى أن المرحلة التي نعيشها تفرض علينا تكامل الجهود بين جميع القطاعات الصحية وغير الصحية كوزارة الزراعة والبلديات وغيرها. فكل يوم تأخير يصعِّب من مهمة التحكم في الفيروس بشكل أكبر. لذا فإن الجميع مطالب بالتعاون مع وزارة الصحة في تنفيذ خطتها التي وضعتها أخيرا. هذه الخطة الطموحة نتمنى أن يتضافر حولها الجميع لتنفيذها من أجل الوصول إلى غاياتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي