رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الشركات السعودية .. حان وقت التغيير

إن قراءة متأنية لواقع الممارسات الإدارية للشركات السعودية، يتضح أنها تعمل بفكر إداري يغلب عليه طابع المحسوبية، وعدم مراعاة العدالة عند إعداد نظام الحوافز، وتحاشي محاسبة القيادات من أبرز ملامح هذا الفكر. بعض هذه الشركات لا يوجد لديها نظام للمعلومات تستند عليه عند إعداد الدراسات، وبعضها غير مدركة أنها ستفقد نصيبها من السوق المحلية قريبا بسبب اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ودخول المستثمر الأجنبي. والبعض الآخر تصمم برامجها التسويقية دون مراعاة المرحلة العمرية للشركة أو المنتج. كثير من هذه الشركات لا تعلم ما يدور بداخلها وليس لديها معيار لقياس درجة رضاء الموظفين بل إن رضاء الموظف من آخر اهتماماتها. السؤال المطروح الآن، كيف يمكن لهذه للشركات التي تفتقر إلى أبسط مقومات التنظيم والإدارة أن تحافظ على نصيبها في السوق وتنافس محليا ودوليا مع قبول المملكة عضوا في منظمة التجارة العالمية؟
لشركاتنا الوطنية ميزة تنافسية نسبية في السوق المحلية تتفوق بها على منافسيها كمعرفتها رغبات وعادات المستهلكين وقوانين ولوائح الدولة، كما أن درجة ولاء العاملين والمستهلكين السعوديين لها عالية إلا أنها عاجزة عن المنافسة. من خلال عملي الجزئي في بعض الشركات السعودية المساهمة تبين لي ما يلي:
1. كثير من هذه الشركات ليس لديها رسالة، ولو أن بعض المديرين أدركوا هذا أخيرا وأعدوا رسالة لشركاتهم، ولكن بطريقة بدائية ومضحكة لا يعون معناها ولا كيفية إعدادها ولا الفائدة منها. يفترض أن تكون الرسالة أبدية، ومحفزة، وملهمة كالنجم الذي تهتدي به في الأفق.
2. غالبية الشركات غير مدركة لأهمية التدريب وينظر إليه كترف، وكثير من برامج التدريب خاوية المحتوى ولا تصب مباشرة في تطوير مهارات العاملين. التدريب الذي يمارس في الشركات لا يختلف كثيرا عن نظام التلقين الذي اشتهرت به مؤسساتنا التعليمية.
3. ليس لدى بعض منظمات الأعمال السعودية خطط استراتيجية، كما أن البعض لا يفرق بين القيم الجوهرية التي لا تتغير وبين استراتيجيات العمل وآليات التشغيل التي تكون قابلة للتغيير. الاستراتيجية خطط تتغير طبقا لأحوال السوق بينما القيم الجوهرية أبدية ومصونة تبقى طالما بقيت المنظمة.
إن دعم الدولة للشركات الوطنية سيتناقص تدرجيا، كما أن احتكار السوق من قبل هذه المنظمات سيتلاشى قريبا. لذا عليها أن تعمل ذاتيا بعيدا عن دعم وتمويل الدولة، وأن تتعلم كيف تدير برامجها في هذه السوق الهائجة الضخمة التي تتميز بشدة المخاطرة والمنافسة، وعليها أن تخرج رأسها من التراب لترى ما يحدث حولها وتتعامل معه بواقعية وبطريقة علمية بعيدا عن الاجتهادات الفردية غير المدروسة. وهنا سأوجز بعض الإرشادات من وجهة نظري التي يمكن أن تتبعها منظمات الأعمال لتكون قادرة على الوقوف في وجه المنافس (المارد) القادم من الشرق أو الغرب.
1. ينبغي عليها أن تتبنى الفكر المعرفي الإداري دراسة وتثقيفا ثم تطبيقا، وتبدأ مبكرا ومن الآن في التخلي عن العادات البالية التي أفرزتها العادات الاجتماعية والقبلية والتي استشرت بشكل ملاحظ في بيئة الأعمال السعودية. اجتثاث هذا الفكر ليس بالأمر السهل لأنه يستمد قوته من البيئة الخارجية و ثقافة المجتمع.
هذه الثقافة وإن كان لها خصائصها الإيجابية مثل إكرام الضيف، والشفاعة، ومساعدة ذوي القربى، إلا أنها انعكست بشكل سلبي على الشركات في شكل المحسوبية، وإقصاء الكفاءة، والاعتماد على الاجتهادات المبنية على الظن وعدم التأكد.
2. يجب مراعاة مبدأ العدالة عند إعداد نظام الحوافز حتى لا يفقد النظام فاعليته ومصداقيته. وفقا لنظرية العدالة يحكم الناس على نظام الحوافز أنه منصف إذا استشعروا أن المكافآت أكبر من الجهد المبذول، ويبقى الموظف راضيا ومقتنعا ويبذل أكبر مجهود لديه حتى يرى أن موظفا آخر يؤدي العمل نفسه ويتقاضى مكافأة أعلى فيتراخى ويهمل وبهذا يفقد نظام الحوافر فاعليته.
3. إعداد خطة استراتيجية للتنمية الإدارية وإعداد القادة، فخلو الشركات من الكفاءات القيادية المؤهلة أمر خطير، هذا وإن كان للجامعات دور في ذلك إلا أن المسؤولية تقع بالكامل على عاتق الشركات بسبب مقدرتها على التمكين والممارسة. يقول جاك ولش المدير التنفيذي في "جنرال إلكتريك" قبل موعد تقاعده بتسع سنوات "من الآن فصاعدا، صار اختيار خليفتي أهم قرار سأتخذه، وهذا يشغل جانبا كبيرا من تفكيري ولا يكاد يمر يوم دون أن أفكر في هذا الأمر"، وقد صور كمنقذ يمتطي حصانا أبيض لينقذ شركة غارقة في المشكلات حتى أذنيها.
4. مراقبة سلوك المديرين ومساءلتهم ومحاسبتهم بشكل دوري لاكتشاف الأخطاء مبكرا. الأخطاء المتعمدة والإهمال العاملان الأساسيان لتسريح العاملين والمديرين في الشركات الرائدة. أما في واقعنا فيمارس المدير عمله لعدة سنوات (عشر أو يزيد) دون حسيب أو رقيب، وعند تدهور الوضع يعفى من منصبه أو يرقى كمستشار أو غير ذلك من المجاملات دون مساءلته. هذا لعمري فكر إداري جاهلي ترفضه نظريات الإدارة والأعمال، كما أن عملية الاختيار نفسها من البداية غير واضحة، فما المعايير التي يبنى عليها اختيار المديرين التنفيذيين للشركات السعودية؟
هذه بعض الاقتراحات التصحيحية التي أرى أنها حل للوضع المتأزم لشركاتنا الوطنية والتي آمل أن تحافظ على نصيبها من السوق المحلية ويكون لها موطئ قدم في الأسواق الدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي