الدولة الفاشلة
كنت أتابع بإرهاق فيلمChild 44، الذي تدور أحداثه السوداوية عام 1953 في الحقبة السوفياتية، فترة حكم ستالين. تساور ضابط استخبارات شكوك بشأن أطفال يموتون في ظروف غامضة، فيقرر التحري للكشف عن الجرائم، ولكنه يصطدم بمعارضة السلطات التي تحرص على إظهار الصورة المثالية بأن الأطفال لم يموتوا سوى نتيجة حوادث عابرة. وقد اعتبرت روسيا الفيلم الأمريكي مسيئا لمرحلة مهمة من التاريخ القومي الروسي فمنعته، معتبرة ذلك حربا ثقافية أمريكية ضدها. وفي الوقت الذي أتابع فيه هذا الفيلم الذي يستعرض مرحلة من التاريخ الحديث، كان التاريخ الأحدث يسجل مفارقاته أيضا، حيث روسيا تمارس تجربة عسكرية ميدانية في سورية بجانب حليفها الأسد، بينما أمريكا تعبر عن قلقها حتى الآن.
سورية المنهارة، حلبة الصراع الخطيرة، خطر "الدولة الفاشلة، الهشة أو المنهارة"، يتكاثر بقلق مرعب في الشرق الأوسط. Fragile state أوfailed state مصطلح تعاملت به الإدارة الأمريكية للتعريف، كأحد أبرز مصادر تهديد الأمن القومي الأمريكي والسلم والأمن الدوليين. أعراض الدولة الفاشلة هي أن تعاني ضعفا أو فشلا سياسيا واقتصاديا، ولا تستطيع الحكومة السيطرة الفعلية على الوضع في أراضيها، كما تعجز عن التفاعل مع العالم كدولة. والدولة الفاشلة هو ما تبرر به الإدارة الأمريكية التدخل الأمريكي والدول المتحالفة معها في العالم والمنطقة. خطر الدول الفاشلة كبير على العالم، فكيف إذا كانت الدولة بالجوار؟ هذا هو المبرر الأهم في الحرب التي تواجهها دول الخليج بقيادة السعودية ضد صالح والحوثي في اليمن.
نماذج الدول الفاشلة التي استدعت التدخلات في العالم كثيرة منها الصومال وأفغانستان والعراق واليمن وليبيا وسورية الآن أو ربما حتى لبنان على الخط!. في لبنان جارة سورية، تحولت مطالب الناس من ثورة على الزبالة إلى ثورة على زبالة السياسيين، ولم يستثن منهم أحد. في لبنان 19 طائفة دينية ومذهبية عبارة عن كانتونات طائفية، وقد يتحول أي خطأ صغير إلى مفترقات خطيرة. الأكثر وجعا في الصورة أن اللبنانيين يريدون إسقاط النظام غير الموجود، في بلد منذ عام بلا رئيس.
العراق الذي يبدو دولة بوضع اقتصادي جيد، يصنفه منسوبو الإدارة الأمريكية كدولة فاشلة، بسبب الفساد والطائفية السياسية وغياب الهوية الوطنية والإرهاب. كما أن أرض الكرد في العراق تبدو بحكمها الذاتي من الصعب خضوعها الآن للحكومة المركزية في بغداد. في تصريحات مثيرة، قال مدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية فنسنت ستيوارت في تصريحات السبت بأن "العراق وسورية تشظيا كدول ويتعذر عليهما الرجوع لما كانا عليه بسبب الحرب والتوترات الطائفية"، مضيفا أن "واشنطن لا تسعى لهذا الهدف لكنه أمر محتمل الحدوث"! كما قال مدير وكالة المخابرات المركزية CIA جون برينان بأن "حدود البلدين العراق وسورية لا تزال قائمة على حالها ولكن حكومات البلدين فقدت السيطرة عليها حيث تتواجد دولة الخلافة التي أنشأها تنظيم داعش والتي تمتد بين حدودهما".
هذه التصريحات أثارت الحكومة العراقية بطبيعة الحال. تكاثر الدول الفاشلة والهشة والمنهارة تحد خطير، فعوضا عن الكوارث الإنسانية الفادحة من قتل وتهجير ودمار، فإن التنظيمات الإرهابية تبحث في الفراغات التي توفرها الدول المنهارة، حتى تتحول الجبهات إلى حروب بالوكالة. الأمر في المنطقة أشبه بكرة نار متدحرجة.