«الشرهة مو عليك ما تسوى ...»
"الشرهة مو عليك، إنت ما تسوى تفلة"
قرأت هذه الجملة الجميلة عرضا في «تويتر»، ومن قالها يريد أن يهين الآخر فساواه بتفلة، أعزكم الله. وأنا لم أردف "أعزكم الله" ترفعا عن التفلة، وإنما هو دعاء جميل، وأرجو الله من كل قلبي أن يعزكم.
ستسألون سؤالين: لماذا وصف هذا الكاتب الجملة "ما تسوى تفلة" بالجميلة؟، ولماذا قال لنا أعزكم الله ثم عاد وقال إنه ليس ترفعا عن "التفلة".
اسمحوا لي أولا أن أغير كلمة تفلة إلى لعاب أو ريق، مع أنه بالعربية كلمة تفال صحيحة لغويا. لندخل في الموضوع.
أحترم اللعاب جدا، فقلت إن الجملة جميلة، وإن قصد قائلها غير ذلك. لأن اللعاب يستحق الاحترام لأن الله سبحانه وضع إعجازا في اللعاب لم يصل العلم حتى الآن رغم ما نعرفه عن اللعاب عن فتح كل مغاليقه وأقفاله. سأسرد هنا القليل من هذا السائل الحيوي الذي بفمك وفمي، وفم كل مخلوق تقريبا، ونرى إن كانت "التفلة" تستحق الاحترام أو التحقير والتقليل؟ يكفي أن تعرف أنها حارس بوابة الدفاع الأولى في جسدك، وأن الأطباء يعمدون بصورة رئيسة لفحص لعابك لمعرفة نوع المرض الذي تشكو منه، أي أنه مدخل لتشخيص المرض وهو أهم مراحل العلاج الطبي الناجع.
أريدك رجاء أن تتحسس بلسانك جانبي خديك بالوسط تقريبا من الداخل، ستجد في الحشاء الداخلي للخد حبة صغيرة وربما من الصعب أن تجدها إن لم تكن بالغ التحسس، ولكن أذكرك أنك أحيانا تلاحظ بشدة أن حبة نفرت من داخل خدك ومن السهل استشعارها باللسان، معظمنا يظن أن أمرا حصل، كأن نكون قد عضضنا خدودنا فبزغت تلك الحبة.. لكن لا! هما أو إحداهما الحبتان اللتان قلت لكم عنهما، وهناك حبتان أخريتان يسار ويمين "لجام اللسان"، وهو هذا الخيط اللحمي الدقيق الذي إذا فتحت فمك على آخره تجده مشدودا تحت اللسان وأرضية الفم.. يعرفه الأطباء باسمه الإنجليزي Lingual frenulum. نسيت أن أقول لك إن الأطباء يحلو لهم أن يسموا تلك الحبيبات الأربع باسم "الحليمات النكفية" مهمة هذه الحبيبات - الحليمات إن شئت - إمداد الفم بالريق على طول.. وتختلف الكميات، لماذا تختلف الكميات؟ لأن كميات الإفراز تقل أثناء النوم، وهذا سبب جفاف الفم وتغير الصوت ورائحة الفم بعد الاستيقاظ صباحا!
ومن مسؤوليات الحلمتين التحتيتين تخميد الرواسب التي تتجمع على الأسنان ويسمونها بالعربية "الطرطير" وبالإنجليزية "تارتار". معليش، لأشرح قضية الطرطير هذه. لعابنا محمل بالكالسيوم وهذا الكالسيوم مرسل مع اللعاب من الغدة اللعابية التي هي الرئيسة وتمد بكمية لتر تقريبا من السائل اللعابي يوميا لجعل أسناننا أقوى وأشد صلابة.. وتتحرر جزئيات كثيرة من الكالسيوم وتضرب في الأسنان وتنهمر عليها، طيب ممكن أن تقول هي كالسيوم في النهاية؟ المشكلة أنها شيء طيب أكثر من اللازم فتتراكم على الأسنان وتشكل سطحا خشنا، وحتى هنا لا مشكلة، المشكلة أن الخشونة هذه تمنع انزلاق بقايا طعام فتسبب الالتهابات بتكاثر البكتيريا بها، والفضل لتلك الحليمات التي من مهماتها القيام على إخماد ذلك الهجوم.
لماذا اللعاب سائل أبيض أو شفاف تقريبا؟ انظروا، الغدة اللعابية تقوم بعملية نخل أو تصفية للدم فتبقي الخلايا الحمراء من الدم التي تحتاج إليها العروق ولا تحتاج إليها أفواهنا.. يعني يمكنكم أن تقولوا إن اللعاب عبارة عن "دم منخول"، ولكن يحمل المواد الضرورية لصحة الفم وتغذيته كالكالسيوم والهرمونات وبعض منتجات المناعة.
وشيء آخر في لعابنا مادة قاتلة للألم أقوى من المورفين.. على أن هذه قصة أخرى.
قبل أن يجف ريق هذه المقالة، أود أن أسألكم إن كنا الآن نحترم اللعاب؟ وعندما نحترم اللعاب فلن نستخدمه للشتم والسباب. ونعلم أن اللعاب جزء صغير من مركب أكبر وهو الإنسان.. وبالتالي فهو إذن يحمل احتراما أكبر. وسنجد في النهاية أننا محترمون ولا يجوز أن يقلل أو يهين أحد منا أي أحد آخر.