رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لم تستقبل لاجئين بل استقبلت .. ما الأمر؟

سمعنا وقرأنا اتهامات كثيرة ملأت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن أن دول مجلس التعاون وخاصة المملكة العربية السعودية رفضت أو لم تستقبل لاجئين سوريين. الحكومة السعودية رفضت الاتهام قائلة إنها استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين. وهذا غير جانب آخر يتجاهله كثير من المنتقدين وهو الدعم المادي الكبير للاجئين، وفي هذا فإن السعودية من أكبر الداعمين على المستوى الدولي.
وابتداء من المهم أن أشير إلى أن الكلام والنقاش ليس موجها لأولئك الذين تغذيهم الكراهية لبلادنا خاصة ومجلس التعاون عامة حكومة و/أو شعبا. ولا لأولئك الذين ينطبق عليهم المثل "مع الخيل يا شقراء" يقرأ أو يسمع فيردد ما قرأ أو سمع.
التهمة غير صحيحة. غير صحيح أن السعودية بالذات أوصدت بابها. صدر قبل أيام بيان من الحكومة السعودية ولا أجد حاجة إلى تكراره. خلاصته التساهل منذ عام 2011 في منح تأشيرات ودخول مئات الآلاف من السوريين تقديرا لظروفهم المأساوية. وهذا خلاف التبرع بمئات الملايين من الدولارات لأعمال إغاثة. لو قيل إن السعودية فعلت كذا واستوعبت كذا، وكان من المتوقع أن تفعل وأن تستوعب ما هو أكثر لكان في ذلك مجال للأخذ والرد.
نفي التهمة يتضمن أن الاتهامات بنيت حسب تعريف ومعايير المدعي وحده أو من قلده، دون اعتبار لمعايير غيره. ومن جهة أخرى تبنى على معلومات ناقصة، وتتجاهل فروقات وجهود بذلت. وكل هذا لا يعني تنزيه النفس عن النقص والخطأ، لكن من الواجب النظر إلى الموضوع بنزاهة وعدالة.
لنبدأ بالتعريف. الاختلاف في معنى ومضمون كلمة لاجئ أو الحرفية في فهم المعنى صنع مشكلة أو سوء فهم تبعه رمي اتهامات.

ما مشكلة التعريف؟
تعريف الأمم المتحدة الأصلي المقرر عام 1951 يقول إن اللاجئ شخص يعيش خارج البلد الذي يحمل جنسيته نتيجة خوف حقيقي له مبرراته من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية. وللتعريف بقية تفاصيل غير مهمة هنا.
من ضمن ما انتقد به التعريف السابق أنه قام على الخوف من الاضطهاد، وأهمل أسبابا أخرى على رأسها الحرب والاضطرابات والمجاعة والأوبئة. وقد تمت إضافة هذه الأسباب وغيرها لاحقا.
حسنا ماذا بشأن من يعيش في بلاده، ولنسمِه زيدا، ويعيش الظروف نفسها التي صنعت لاجئين بالتعريف التقليدي، أي أن زيدا يتوقع توقعا قويا حصول ضرر عليه بسبب حرب قائمة حواليه، ومن ثم سعى إلى الخروج من بلده وساعده آخرون (أقارب أو أصدقاء مثلا) لخروجه من بلده إلى بلد آخر، ونتيجة لهذا السعي استطاع زيد أن يخرج من بلده ليقيم ويعمل في البلد الآخر؟ ماذا بشأن قيام ذلك البلد الآخر بتخفيف إجراءاته واشتراطاته ليمكن زيدا من دخوله والعمل فيه؟ وهو تخفيف تم إقراره والعمل به فقط تقديرا لظروف زيد.
الصورة اختلفت بعض الشيء عما حدث للاجئين لأوروبا، لكن المحتوى تقريبا واحد. إنسان ضاقت به ظروف العيش في بلده، ووجد بلدا آخر تساهل معه في دخوله وفي الإقامة فيه، وأعطى تسهيلات كثيرة في دخول مدارس وجامعات وحصول على عمل وخدمات. صحيح ليست كما يطمحون أو نطمح، لكنها تسهيلات عملت ضمن القوانين والإمكانات المتاحة، وأخذا بعين النظر أوضاع اليد العاملة من ثم يكون القول "الجود من الموجود".
معلوم أن نسبة الوافدين إلى مجموع السكان عالية، بل عالية جدا في دول الخليج. ولا يشك أحد في اعتماد القطاع الخاص شبه المطلق على الوافدين.
وتخصيصا في السعودية، معلوم أن البلاد تعاني بطالة ونعمل على حلها. بقاء الوضع على حاله يعني تعميق مشكلة البطالة. فكيف بجلب أعداد إضافية كبيرة. واتساع رقعة البطالة مفتاح شرور كثيرة أمنية واقتصادية واجتماعية.
الاقتصاد السعودي لم يعد يتحمل مزيدا من اليد العاملة الوافدة. السوق مشبعة بيد عاملة كثير منها لا حاجة إليه أصلا، لولا الرغبة في مساعدة الآخرين. ليس من السهل تجاهل هذه المشكلة، فكيف بزيادتها.
نظام الإقامة في دول الخليج قائم على الارتباط المسبق بجهة عمل، أو ما يسمى شعبيا نظام الكفالة. هذا النظام ليس وليد الأحداث المعاصرة، بل هو نظام قائم منذ عشرات السنين. ومن الصعب تغييره جوهريا في ظل هيمنة اليد العاملة الوافدة على سوق العمل. لو كانت نسبة الوافدين صغيرة كما هو الحال في الدول الأوروبية لاختلف الكلام. نسبة الوافدين في دول الخليج إلى مجموع السكان تزيد في المتوسط على النصف مع وجود تفاوت بين تلك الدول في النسبة، بينما في أوروبا لا تتجاوز في المتوسط 10 في المائة. وخلاف اعتبارات أخرى كارتفاع نسبة المعمرين وانخفاض نسبة الخصوبة وزيادة السكان إن لم تكن بالسالب في الدول الأوروبية. هذه نقاط يتجاهلها أكثر المنتقدين لدول الخليج في موضوع اللاجئين.
من جهة أخرى، أوروبا وجهة مفضلة حتى مع توافر الحد الأدنى من سبل الحياة في غيرها. أجرت "بي بي سي" مقابلات مع عدة إخوة سوريين كانوا لاجئين، وقد استطاعوا الوصول إلى دول أجنبية. الحديث معهم بين أنهم أناس يريدون حياة أفضل.
وسيتواصل الحديث في هذا الموضوع في المقال المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي